[بقية الباب الثالث]
  أرواحكم وأموالكم؛ لأنه لا قائل بأن الأئمة يتصرفون في أرواح المسلمين وأموالهم، وإنما إليهم التحاكم في ذلك وقبض الزكوات، فلا يصح أن الله تعالى أراد هذا المعنى في الولاية المنهي عنها لليهود والنصارى؛ لبطلانها من الدين بالضرورة في حق الأئمة المسلمين، فبطلانها في حق اليهود والنصارى من باب الأولى، فلم يبق إلا أن المراد: لا تتخذوهم ولاة أمر يحكمون في أرواحكم وأموالكم، ويجبون الزكوات ونحوها منكم، فيجب أن المراد بقوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ} هذا المعنى، وهذا ظاهر لكل من أنصف وترك التعصب، فتأمل.
  وبعدُ، فقد تقرر في أصول الفقه أنه لا مانع من حمل اللفظ المشترك على معنييه معاً إن لم يتنافيا، بعد أن هدمنا قاعدة الأشعرية في منع ذلك بلزوم الهذر أو التحكم، وحينئذ فما المانع من أن المراد بالولاية المنهي عنها لليهود والنصارى والذين اتخذوا ديننا هزواً ولعباً من سائر الكفار، والمأمور بها المسلمون لله ولمن عطف عليه هي المحبة والنصرة وجعلهم ولاة أمر؟ فلا معنى لتفريقه بين معنى الآية السابقة والمتأخرة وبين المتوسطة إلزاماً لنا ما لا يلزمنا بأنه إلقاء كلام أجنبي على زعمه؛ إذ لم نفرق بين معنى الثلاث الآيات البتة.
  ثم قال: الحجة الثانية: أنا لو حملنا الولاية على التصرف والإمامة لما كان المؤمنون المذكورون في الآية موصوفين بالولاية حال نزول الآية؛ لأن علي بن أبي طالب ما كان نافذ التصرف حال نزول الآية إلى آخر ما ذكر في هذه الحجة تركته اختصاراً؛ لأنه في معنى ما ذكر فيما قبلها.
  قلنا: وكذلك يلزم أن الله تعالى ورسوله لم يكن أحدهما مالكاً للتصرف لا حال نزول الآية ولا بعدها؛ لأنكم نفيتم عنها هذا المعنى رأساً، ولا يصح لكم أن تقولوا: هو ثابت لله ولرسوله دون المؤمنين المذكورين في الآية؛ لتأديته إلى تفكيك النَّظْم وتلبيس الكلام، ولا أن تقولوا: هو ثابت بما هو معلوم من الدين؛ ضرورة لأنا نقول: وهذا أحد الأدلة السمعية على ذلك.