الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[بقية الباب الثالث]

صفحة 33 - الجزء 2

  وبعد، فغاية ما في الآية ثبوت التصرف للذين آمنوا دلالة إطلاق أو عموم، ولا يمتنع طرو التقييد والتخصيص بأن المراد فيما عدا زمن النبي ÷.

  وبعد فقد قال ÷ في علي #: «وأشركه في أمري»، وقال فيما رويتم: «واجعل لي وزيراً من أهلي أخي عليًّا»، والوزير يتصرف بجنب الإمام وتنفذ تصرفاته ما لم ينهه عن شيء بعينه أو ينكشف الخطأ؛ لأن ذلك مقتضى الوزارة عرفاً، ولعله شرعاً كذلك، يدل عليه أن الرسول ÷ لم ينقض شيئاً مما كان يفعله علي # في حياة الرسول حتى قال فيما حكم به أمير المؤمنين في شأن زبية الأسد: «لا أجد لكم إلا ما حكم به علي»، مع أنهم لم يرفعوا أمرهم إلى رسول الله ÷ أولاً ثم صرفهم إلى علي #.

  ثم قال: الحجة الثالثة: أنه تعالى ذكر المؤمنين الموصوفين في هذه الآية بصيغة الجمع في سبعة مواضع، وهي قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، وحمل ألفاظ الجمع وإن جاز على الواحد على سبيل التعظيم لكنه مجاز لا حقيقة، والأصل حمل الكلام على الحقيقة.

  قلنا: حملناه على ذلك لأجل تظافر الأدلة وتطابقها أن المراد بها علي #، وبطلان القول بأنها عامة؛ لفساد المعنى كما مر تقريره.

  وبعد، فقد ذكرنا فيما مر وجهاً آخراً مصححاً لحمل اللفظ على إرادة أمير المؤمنين وأولاده الأئمة الهادين إلى يوم الدين $، كما مر الاستدلال على ذلك فليراجع، فيكون من باب استعمال اللفظ في حقيقته لا في مجازه.

  ثم قال: الحجة الرابعة: أنا قد بينا بالبرهان البين أن الآية المتقدمة وهي قوله تعالى: {مَنْ يَرْتَدِّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} إلى آخر الآية [المائدة ٥٤] من أقوى الدلائل على إمامة أبي بكر، فلو دلت هذه الآية على صحة إمامة علي بعد الرسول ÷ لزم التناقض بين الآيتين، وذلك باطل، فوجب القطع بأن هذه الآية لا دلالة فيها على أن علياً هو الإمام بعد الرسول.