[بقية الباب الثالث]
  على أنهم قد قرروا في أصول الفقه أنه لا يصح الاجتهاد والاستحسان إلا بعد فقد الدليل السمعي صريحه وظاهره، ومنطوقه ومفهومه، ومقيده ومطلقه، ثم أنه يجب أن يراعى في الاستحسان قضية العقل في تلك الحادثة، ثم الأنسب ثم الأحوط، فكيف عاملوا هذه المسألة من بِدَّة مسائل الشريعة بمعاملة خلاف الأصول؟ وكيف حكموا فيها بصحة ما صادم تلك الأقسام أجمع من المنقول والمعقول؟ ولا غرو إذا أنكروا أدنى دليل على إمامة الوصي فأكثر منهم من أنكر نبوة النبي ÷، حتى بالغوا في نفيها وعدم ثبوتها أكثر مما بالغ هؤلاء في نفي أختها، فقالوا مظهرين الإنصاف وإمعان النظر والانقياد للحق لو ظهرت لهم آية ما حكاه الله بقوله: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ}[الأنعام ٣٧]، فانظروا في هذه المبالغة في نفي وإنكار وجحد جميع معجزات الرسول ÷، حتى بالغوا في ذلك بأنه لو كان معه آية واحدة يسيرة تدل على صدقة لما خالفناه، فأكذبهم الله سبحانه وتعالى على جهة الاستفهام التوبيخي، والاستنكار الضروري الذي لا يوجه إلا إلى من جحد الضرورات، وحاول دفع المعلومات، فقال عز قائلاً: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[العنكبوت ٥١].
  هذا، وغير خاف على الناظر بعين البصيرة أنه لا حامل لمنكر أدلة نبوة سيد المرسلين، ومنكر أدلة إمامة أخيه سيد الوصيين إلا حسدهما على الأمر والرئاسة، والطمع في التولي على الخلق والسياسة، كما قال السيد الإمام صارم الدين إبراهيم بن محمد # في البسامة:
  فقل لمن رام للأسبابِ معرفةً ... وربما تُعرفُ الأسبابُ بالخبر(١)
  حب الرياسة أطغى الناسَ فافترقوا ... حرصاً عليها وهم منها على صَدَر
(١) في البسامة: بالنظر.