[العالم محدث]
  يراد به الإنسان فقط، ويقال في سائر الحيوانات: نتاج (يخرج) من بطن أمه (ولا يعلم شيئاً) كما قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[النحل ٧٨] (ثم يصير رضيعاً) فعيل بمعنى مُفعَل، كنبيء بمعنى مُنبأ، مع ما في ذلك من الآية الباهرة والحكمة الظاهرة، لَمَّا كان في تلك الحال لا تصلح له المآكل الجسيمة ولا يقدر على تناولها وتناول شرب الماء - جَعَلَ الله له رزقاً في ثديي أمه، وألهمه المص عند أن يوضع الثدي على فمه، وألهم الدوابَّ مع كونها بلا عقل ولا دراية: الولدَ أن لا ينصرف ولا يتطلب ذلك في غير ذلك الموضع، والأمَ أن تمكنه من ذلك، فسبحان المدبر لكل شيء، والملهم لكل حي بما فيه صلاحه واستمرار حياته ونمو ذاته (ثم) يصير الولد من الآدميين بعد ذلك (طفلاً) والطفل يطلق على الإنسان إلى حين التمييز (ثم) يصير (غلاماً) إلى حين البلوغ (ثم بالغاً، ثم شاباً، ثم كهلاً) وهو ما بين الشباب والشيخوخة، أو من بلغ الأربعين (ثم شيخاً) وهو من طعن في السن وجاوز الستين السنة، ثم إذا بقي بعد ذلك وبلغ الثمانين صار هِمًّا ضعيفاً قد سلب أكثر الحواس، وقلَّت معه لذة المأكل والمشرب وسائر المشتهيات اللذيذة، وربما ذهب سمعه وبصره وإعقاله المعقولات، ورُدَّ إلى أرذل العمر، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}[النحل ٧٠]. (ثم نحو ذلك) أي: نحو خلق الإنسان وسائر المخلوقات (من هبوب الرياح) والهبوب - بالضم - مصدر هب يهب، يقال: هبت الريح تهب هبوباً، والرياح جمع ريح، وتجمع على أرواح؛ لأن الأصل رِوْحٌ فقلبت الواو ياء على القاعدة(١). وحقيقة الرياح: حركات متداركة على الهواء، وهي أربع: شمال، وهي الآتية من جهة الشام إلى جهة اليمن، وجنوب،
(١) وهي أن الواو إذا كانت ساكنة مفردة عن مثلها ووقعت بعد كسرة قلبت ياء.