الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[بقية الباب الثالث]

صفحة 89 - الجزء 2

  المطلب ورجل آخر، وفي رواية: فخرج ويد له على الفضل بن عباس ويد له على رجل آخر، قال عبيد الله الراوي عن عائشة: فحدثت به ابن عباس ® فقال: أتدري؟ وفي رواية: هل سمّت لك من الرجل الآخر؟ قال قلت: لا. قال ابن عباس: هو علي بن أبي طالب #. قال القسطلاني في شرحه على البخاري: زاد الإسماعيلي من رواية عبد الرزاق عن مَعْمَر: ولكن عائشة لا تطيب نفساً له بخير، ولابن إسحاق في المغازي عن الزهري: ولكنها لا تقدر أن تذكره بخير. انتهى.

  فظهر لك أيها الطالب أن القدر المتفق عليه هو أن أبا بكر تقدم يصلي بالناس، وأن النبي ÷ خرج من بيته عند ذلك فصلى بالمسلمين، ومحل الخلاف هو الأمر لأبي بكر بالصلاة وعزله عنها، أما الأمر فلم يثبت إلا من رواية المخالف، ولا احتجاج بما يتفرد بروايته من يجر إلى مذهبه، وأما العزل فلم يثبت بقول صريح أو ظاهر، لكن أخذه أئمتنا $ من باب دلالة الاقتضاء، وهو أحد الوجوه الصحيحة في الاستدلال بلا تناكر بين الأصوليين؛ لأن المعلوم شرعاً أن الصلاة لا تصح بإمامين فأكثر، أو مؤتم هو مؤتم في عين ما أمر به غيره بإمام آخر، فاقتضى أن لا بد أن أبا بكر عزل عن الإمامة وصار مؤتماً فقط، وقد أشار إلى هذا القسطلاني في شرحه لقول البخاري: «والناس يقتدون بصلاة أبي بكر» بقوله: أي: يستدلون على صلاة النبي ÷ بصلاة أبي بكر؛ حيث إن النبي ÷ كان قاعداً والناس قياماً، ونظير هذه الدلالة في الاقتضاء دخول العبد في ملك الطالب؛ إذ لا عتق إلا عن ملك، وقوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ}⁣[الحشر ٨]، فاقتضى أن ما صار بأيدي الكفار من أموال المهاجرين فقد خرج عن ملكهم؛ لتسميتهم فقراء، وحينئذ فقد ثبت العزل وتقرر بدلالة صحيحة شرعية لا تناكر في اعتبارها، ولم يبق وجه لما يدعيه الخصم من الأمر إلا ما ذكره الشيخان في الرواية الأخيرة عن أنس قال: لم يخرج النبي ÷ ثلاثاً، إلى قوله: فأوما النبي ÷ بيده إلى