[بقية الباب الثالث]
  وقد ادعى المخالفون شبهة أخرى من قبيل النص الخفي، وهي قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنْ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمْ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}[الفتح ١٦]، قالوا: والداعي لهم أبو بكر إلى قتال بني حنيفة، وعمر إلى قتال فارس والروم، فيلزم صحة إمامتهما؛ لما في الآية من الوعد بالثواب على الطاعة لهما، والوعيد بالعذاب على عدمها، وبنوا استدلالهم بهذه الآية على أن المراد بالمخلفين هم الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، قالوا: ولم يخرج بعدها ÷ إلى غزوة بنفسه، فكان المراد بها أبو بكر وعمر لا غيرهما.
  والجواب: أنه لا يسلم لهم أن هذه الآية نزلت بعد غزوة تبوك، وقد صحح الرازي في تفسيره أنها نزلت عام الحديبية تبشير بفتح خيبر وفتح مكة والنصر العزيز له ÷ العام على كافة الأنام، وإذا كان كذلك فالداعي هو رسول الله ÷ إلى فتح مكة أو إلى الطائف وهوازن فما بعدهما إلى غزوة تبوك إلى تجهيز أسامة بن زيد في مرضه ÷.
  لا يقال: هذا لا يصح؛ لأن الرسول ÷ أمره الله تعالى أن يقول للمخلفين: {لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا} وقد خرج معه ÷ في عام الفتح وهوازن طائفة بل طوائف من المتخلفين عام الحديبية، فإذاً ليس المراد إلا المتخلفين في غزوة تبوك، ولا داعي بعدها إلا أبو بكر وعمر.
  لأنا نقول: آية {لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا} متأخر نزولها في سورة براءة، وهي نازلة بعد عام الفتح في السنة التي تليها بلا تناكر، وقد كان أبو بكر أمره ÷ أن يبلغها إلى أهل مكة حيث أَمَّره على الحج في ذلك العام، فلما وصل ذا الحليفة أتبعه رسول الله ÷ بأمير المؤمنين ليأخذها منه ويبلغها، وقال: «لا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني»، فحُمْلُها على المتخلفين عن عام الحديبية هو الواجب؛ لأنه الظاهر والموافق للتواريخ وحكاية السير وسائر ما ذكر في سورة