الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[بقية الباب الثالث]

صفحة 92 - الجزء 2

  الفتح من الوعد بالمغانم الكبيرة ودخول المسجد الحرام محلقين ومقصرين، بخلاف حملها على أن المراد المتخلفون في غزوة تبوك فلا يصح؛ لما فيه من مخالفة الظاهر، ومناقضة التواريخ، وعدم المناسبة لسائر ما ذكر في سورة الفتح، وليس العجب من استدلال أهل البلاهة وعدم الاطلاع على السيرة والتواريخ وتفاسير القرآن، إنما العجب من أهل الذكاء والعلم بكيفية الأحوال والتواريخ والسيرة النبوية وتفاسير الآيات القرآنية، كالزمخشري وأمثاله، فانظر إلى شدة تعصبه وخدمة مذهبه كيف ساق الآيات من أول سورة الفتح إلى هذه الآية، وفسرها جميعها من أول آية، وهي قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}⁣[الفتح ١]، قال: هو فتح مكة، وقد نزلت مرجع رسول الله ÷ عن مكة عام الحديبية عِدَةً له بالفتح، ثم قال في تفسير قوله تعالى: {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنْ الأعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا}⁣[الفتح ١١]،: هم الذين تخلفوا عن الحديبية، ثم قال في تفسير: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ}⁣[الفتح ١٥]،: هم الذين تخلفوا عن الحديبية، ثم قال في تفسير: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنْ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ} الآية: هم الذين تخلفوا عن الحديبية، فسلم نزولها في عام الحديبية كسائر السورة، ثم عند إرادته الاستدلال بها على إمامة أبي بكر ركب متن العناد وحرر الدلالة على أقبح وجه من الفساد، وهو أن فسر القوم أولي البأس الشديد ببني حنيفة، إلى أن قال: وهذا دليل على إمامة أبي بكر الصديق؛ فإنهم لم يُدْعَوا إلى حربٍ في أيام رسول الله ÷، ولكن بعد وفاته، قال: وكيف يدعوهم رسول الله ÷ مع قوله تعالى: {فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا}⁣[التوبة ٨٣]؟ وقيل: هم فارس والروم. انتهى.

  فانظر إلى مغالطته، كيف جعل آية براءة حاكمة على سورة الفتح، وسورة الفتح سابقة قبل براءة بسنين وأعوام؛ لأن الحديبية سنة ست، وبراءة سنة تسع من الهجرة، فيقال: ومن أين لك أنهم لم يُدْعَوا إلى حرب في أيام رسول الله ÷ من