[بقية الباب الثالث]
  عقيب الحديبية إلى بعد وفاة رسول الله ÷ حتى تتكلف وتتمحل للتفسير الباطل والقول العاطل من أن المراد بالقوم بنو حنيفة، وأن المراد بالداعي هو أبو بكر، مع أنه قد وقع بعد الحديبية الدعاء منه ÷ إلى مواطن كثيرة كالفتح والطائف وهوازن وغطفان وتجهيز أسامة بن زيد؟
  فإن قلت: من قوله تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَدًا}[التوبة ٨٣].
  قلنا: غاية ما فيها أن يتناول قوله: {لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي} في المستقبل منذ نزلت براءة، لا الماضي فلا يصح حملها عليه البتة، فلا يتم لك هذا الدليل العليل الخارج عن واضح السبيل، مع كون رسول الله ÷ قد دعا بعد الحديبية إلى تلك المواطن الكثيرة والوقائع الشهيرة، هذا إن سلمنا تسليم جدل وتنزل أن المتخلفين من الأعراب هم المرادون بقوله تعالى في التوبة: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَدًا}، وإلا فلا يسلم؛ لأن هذه الطائفة يسيرة منكر وصفها بأنها بعض من كان يتخلف عن رسول الله ÷ في غزواته ووقائعه؛ لقوله: {مِنْهُمْ}، بخلاف المتخلفين من الأعراب، فإنهم طوائف كثيرة كما حكيته في تفسيرك: هم الذين تخلفوا عن الحديبية وهم أعراب غِفَار ومُزَينَة وجُهَينَة وأَشجَع وأسلم والدَّيْل إلى آخر كلامك، وحينئذ فغاية ما في الأمر أن تكون هذه الطائفة المذكورة في براءة بعضاً من تلك الطوائف العديدة، فلا يتناول الخطاب لها سائر تلك الطوائف، فلا يدخلون في قوله: {لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا}.
  فإن قيل: فيكفي في الاستدلال على المطلوب من إثبات إمامة أبي بكر وعد هذه الطائفة والوعيد لها بالثواب والعقاب إن لم يطيعوا الداعي وعصوه، وهو أبو بكر؛ لأنه ÷ لم يخرج بنفسه الشريفة بعد تبوك أي مخرج، فلا يصح أن يكون الداعي غير أبي بكر وغير عمر إلى فارس والروم.