[بقية الباب الثالث]
  قلنا: هذا باطل بما هو معلوم مما مر ذكره أن الوعيد والخطاب في سورة الفتح لكافة المتخلفين، وقد دعاهم رسول الله ÷ إلى تلك الوقائع العديدة والمواطن المفيدة، فقصره على الطائفة المخصوصة أو دخولها في عدادهم خلاف الأصل، فلا يصح عوده إليهم بعد التعميم السابق، لزم أن هذه الطائفة داخلة في المدعيين منذ عام الحديبية إلى عام تبوك سنة عشر من الهجرة، ثم إنه لا يتم استدلال الخصم حتى يقيم الدليل أن الرسول ÷ لم يدع هذه الطائفة؛ لأن الآية إنما منعت أن يخرجوا معه من دون أن يدعوهم، فأما إذا دعاهم فلا دلالة في الآية على كونهم لا يجوز لهم أن يخرجوا أو لا يجوز لرسول الله ÷ أن يدعوهم.
  وبعد، فما المانع أن المراد في الآية: لن تخرجوا معي ما دمتم مصرين على العصيان والتخاذل، دون ما إذا كنتم قد تبتم وأصلحتم فاخرجوا؟ يدل عليه قوله تعالى: {فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمْ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا} الآية [الفتح ١٦]، ولأن المعلوم من الدين ضرورة أنهم إذا تابوا وأصلحوا كانوا من جملة سائر المؤمنين، فلا وجه لمنعهم من الخروج مع التوبة والإصلاح.
  وبعد، فالاستدلال على مذهب الخصم مبني على طائفة غير معينة توعدها الله ونهى عن خروجها، فاللازم تبيين تلك الطائفة والبرهان أن أبا بكر دعاها بنفسه، وهذا لا وجود له في الأخبار المشهورة، وإنما دعا أبو بكر عموم الناس إلى قتال بني حنيفة، وكذلك عمر فيما بعده من قتال فارس والروم.
  وبعد، فقول الخصم: إن رسول الله ÷ لم يخرج بنفسه بعد تبوك لا يقدح فيما قلناه من دعائه ÷ إلى الخروج مع أسامة بن زيد وغيرها من سائر سراياه إلى أن توفاه الله تعالى؛ لأن أبا بكر وعمر لم يخرجا فيما ذكروه من قتال بني حنيفة وفارس والروم.
  وبعد، فلو فرض أن أبا بكر دعا طائفة مخصوصة نهى الله رسوله أن يدعوهم وأن يخرجوا معه لكان أبو بكر عاصياً بدعائه هذه الطائفة.