الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[بقية الباب الثالث]

صفحة 95 - الجزء 2

  فإن قيل: المراد دعاء أبي بكر لهم مع توبتهم وإصلاحهم كما تأوله الرازي.

  قلنا: فارضوا منا بمثل ذلك في دعاء رسول الله ÷ إياهم، وتبطل الشبهة بأسرها.

  وبعد، فقوله تعالى: {سَتُدْعَوْنَ} فعل مغير صيغة مجهول فاعله، فإن فسر بكل داع لزم تصحيح معاوية اللعين، وولده الفاجر المهين، وسائر جبابرة خلفاء الأمويين والعباسيين الذين لا تحكم المعتزلة بصحة إمامتهم، وإن فسر بالداعي المحق في إمامته أو المحق في دعائه للقتال كالمحتسب العادل فكلاهما لا يسلم دخول أبي بكر وعمر فيمن شملته الآية؛ لأن الأول محل النزاع، والثاني شرطه صحة الحسبة عدم وجود الإمام في ناحية المحتسب، فكيف تقرير كون أبي بكر وعمر محقين مع وجود الإمام المنصوص عليه بين أظهرهما؟ فلا بد أن الداعي المحق هو رسول الله ÷ في حياته، وأمير المؤمنين وأولاده الأئمة الطاهرين إلى يوم الدين، والداعي من جهة الحسبة مع كمال شروطها إن لم يكن في الزمان قائم بعد وفاته، وهذا محمول على أن القتال مع المحتسب مدافعة أو على الخلاف في جواز غزو الكفار إلى ديارهم مع غير الإمام، كما هو مذهب بعض العلماء، على أنه لو كان مُحقية أبي بكر وعمر من باب الحسبة لا غير كان في ذلك تسليمُ بطلان إمامتهما الذي هو محل النزاع، ونصٌ على أن المراد بالداعي بعد وفاة رسول الله ÷ هو علي # حين دعا الناس إلى قتال الناكثين والقاسطين والمارقين، وهو قوي؛ لأنه إن قصر على الداعي في حياته ÷ لم يدخل من بعده، فيبطل استدلال الخصم، وإن حمل عليه ÷ ومن سيدعو بعد وفاته فلم نجد داعياً متفقاً على صحة إمامته حال الدعاء إلى القتال غيره #، وأولاده الأئمة الأعلام، أو المحتسب المحق الإمام العادل من سائر الأنام.

  لا يقال: إن قوله تعالى: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} يدل على أن المراد الدعاء