[بقية الباب الثالث]
  إجمالية وتفصيلية، فالإجمالية تعم كل ما يرويه الخصم ويتمسك به على إمامة المتقدمين أو تفضيلهم على سائر الصحابة، فضلاً عن صنو رسول الله ÷ وأخيه ونفسه، ومن هو بمنزلة الرأس من الجسد، وخليفته ووصيه بعد وفاته ÷. والتفصيلية تخص الكلام على كل حديث من الأحاديث المذكورة وإبطال الاستدلال به بخصوصه.
  أما الإجمالية:
  فالوجه الأول: أن هذه الأحاديث آحادية ولا يمكن الخصم دعوى التواتر فيها؛ إذ لو تواترت لاشتهرت وظهرت في الآفاق كظهور خبر الغدير والمنزلة وغيرهما من المتواتر، فلا يمكن الاستدلال والاحتجاج بها على إمامة المتقدمين؛ لأن أخبار الآحاد لا يحصل بها إلا مجرد الظن في بعض الأحوال مع الشروط المعتبرة في قبول الخبر الآحادي: من عدم مصادمة القطعي، وأن تكون المسألة من المسائل الفروعية والاجتهاد، دون المسائل الأصولية والاعتقاد فلا بد فيها من العلم، وأن لا يجر الراوي إلى بدعته ومذهبه، فكيف وهذه الأحاديث لم يسلم منها حديث عن هذه القوادح، ولم يحصل في أيها شرط صحة العمل بالآحاد؟!
  الوجه الثاني: أن هذه الأحاديث لو كانت صحيحة معلومة عن النبي ÷ لكان أعلم الناس بها أبو بكر وعمر، ولو علماها لاحتجا بها يوم السقيفة، والمعلوم أنه لم يجر لها ذكر من أبي بكر وعمر ولا من عثمان، لا في يوم السقيفة ولا فيما عداه من مواقف الجدال والتنازع بين الصحابة في الأمر، حتى إن أبا بكر وعمر لما لم يتم لهما الاحتجاج على الأنصار إلا بالقرب من رسول الله ÷ حيث قال أبو بكر: نحن عترة رسول الله، والبيضة التي تفقأت عنه، وقال: نحن شجرة رسول الله ÷، فمن ذا ينازعنا هذا الأمر إلا مدل بباطل أو متجانف لإثم؟ وفي بعض الأخبار أنهما احتجا بما روي عن رسول الله ÷:» الأئمة من قريش". وهذه الاحتجاجات كما ترى لا يسلكها إلا من فقد النص والدليل الخاص به دون