الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[العالم محدث]

صفحة 71 - الجزء 1

  تصل الموقف فيها، ثم كذلك مدى الدهور والأعوام إلى ما شاء الله. والقمر يحل في كل منزلة ليلة واحدة، ويتزايد جرمه ونوره في كل منزلة بعضاً من الزيادة حتى يصير بدراً كاملاً، ثم يتناقص في كل منزلة بعضاً من النقص في جرمه ونوره {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}⁣[يس ٣٩]، {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}⁣[يس ٣٨]. (و) كذلك (ظهور السحاب) المسخر بين السماء والأرض، فإنا نراه يحدث ويوجد بعد أن لم يكن له وجود عين ولا أثر، فظهوره بعد العدم المحض آية دالة على فاعل حكيم (وزواله) آية أخرى دالة على قادر عليم، وكذلك اختلافه في القلة والكثرة، وتصريفه في الجهات، واختصاصه ببعض الجهات دون بعض، وسيره من جهة إلى جهة على اختلاف ذلك السير في السرعة والبطء، وتارة يُطبق جميع الأفق، وتارة أسود مظلم، وتارة أبيض يَقق⁣(⁣١)، وتارات فيما بينهما، وقد يكون إلى حمرة أو صفرة، وقد يكون مصحوباً بالمطر، وقد يكون من دونه، وقد يكون متراكماً غليظاً، وقد يكون متفرقاً رقيقا، ومع ذلك فله أشكال وهيئات لا تضبط بوصف ولا عبارة، قيل: إن أصله غبار تثيره الرياح من تراب الأرض، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ}⁣[الروم ٤٨]، وليس في الآية تصريح بأن الرياح تثيره من نفس التراب، ولا مانع؛ فالقدرة صالحة لذلك ولإيجاده من العدم المحض ثم تثيره الرياح، أي: تنشره في الأفق.

  (وكذلك المطر) فإن فيه آيات عديدات، ودلائل مفيدات على إثبات الصانع المختار، ففي اختلاف ذاته في الكثرة والقلة ووفارة القطرة وحُقْرِها آية دالة على اختيار الفاعل لها، وكذلك اختلافه في الأمكنة والأزمنة، وتردده وانقطاعه على حسب مصالح العباد والاحتياج والاستغناء، وتارة غيثاً هنيئاً، وتارة مصحوبا


(١) يَقَق أي: شديد البياض ناصعه، وكسر القاف الأولى لغة. (مختار).