[بقية الباب الثالث]
  من الشارع، والله تعالى يقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}[الأحزاب ٣٦]، لكن لما كان الإجماع حجة قطعية جاز التخصيص به كما ذكرنا إن ثبت، ولا يمكن القطع بثبوته إلا لو نقل متواتراً على تلك الصفة المذكورة؛ فاندفع هذا السؤال، وزال عن المسألة ما يعتريها من هذا الإشكال، ومن ثم ترى المعتزلة ونحوهم ممن يرى إمامة المتقدمين ينكرون النص على إمامة أمير المؤمنين؛ لئلا يلزمهم نقل الإجماع على العقد لكل واحد من المتقدمين على الصفة المذكورة؛ لعلمهم عدم وقوع إجماع على هذه الصفة، لذلك استكفوا في إثبات إمامتهم بمجرد العقد والاختيار ممن حضر يوم السقيفة وممن بايع بعده، ولم يعبئوا بما وقع من الشقاق والنزاع؛ لعلمهم أنه لا يلزمهم إثبات الإجماع الصحيح القطعي إلا لو ثبتت النصوص على أمير المؤمنين والحسنين $، فأنكروا النص على الجميع، وتأولوا ما ورد من ذلك على حسب ما يطابق أهواءهم، ولم يجعلوا ما وقع من التهديد من أبي بكر وعمر قادحاً في ذلك العقد، حتى قال قاضي القضاة فيما نقله عنه ابن أبي الحديد في جمع عمر حزم الحطب إلى باب دار الزهراء & ليحرقها إن لم يخرج علي # ومن معه للبيعة، فقال قاضي القضاة ولعله حَاكٍ له عن شيخه أبي علي: إن حديث الإحراق لم يصح، ولو صح لساغ لعمر مثل ذلك.
  فانظر إلى هذه العصبية لعمر ومخدومه حيث يُسَّوِّغ لهما إحراق آل رسول الله ÷ مع قوله ÷ فيهم: «أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم» فالله المستعان.
  وبمعرفة هذا السؤال وتقرير جوابه يثبت ما مر ذكره في هذا المطلب من لزوم نقلٍ متواتر على إجماعٍ من جميع الموجودين من الأمة أو من الصلحاء والعلماء