[بقية الباب الثالث]
  مساجدكم، ولا دانت العرب للإسلام إلا بأسيافكم، فأنتم أعظم الناس نصيباً، وإن أبى القوم فمنا أمير ومنهم أمير.
  فقام عمر فقال: هيهات سَيْفَان في غمد واحد لا يصلحان، والله لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم، ولكن العرب لا ينبغي أن تولي هذا الأمر إلا من كانت النبوة فيهم وأولوا الأمر منهم، لنا بذلك على من خالفنا من العرب الحجة الظاهرة(١) والسلطان المبين، من ذا ينازعها سلطان محمد وميراثه ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مُدل بباطل أو متجانف لإثم أو متورط في هلكة.
  فقام الحباب بن المنذر فقال: يا معشر الأنصار املكوا على أيديكم، ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر، فإن أبوا عليكم فاجلوهم عن بلادكم وولوا عليهم وعليكم من أردتم، فأنتم والله أولى بهذا الأمر منهم، فإنه دان لهذا الأمر من لم يكن يدين له بأسيافنا، أما والله إن شئتم لنعيدنها جَذَعة، والله لا يرد علي أحد ما أقول إلا حطمت أنفه بالسيف.
  قال عمر: فلما كان الحباب هو الذي يجيبني لم يكن لي معه كلام؛ لأنه كان بيني وبينه منازعة في حياة رسول الله ÷ فنهاني عنه، فحلفت(٢) أن لا أكلمه كلمة تسوؤه أبداً.
  ثم قام أبو عبيدة فقال: يا معشر الأنصار أنتم أول من نصر وآوى، فلا تكونوا أول من يبدل ويغير، ثم حكى مقالة لقيس بن سعد الأنصاري تتضمن تزهيد الأنصار عن طلب هذا الأمر، وأن محمداً ÷ رجل من قريش وقومه أحق بميراثه وتولي سلطانه، وذكر أنه قال ذلك لما رأى ما اتفق عليه الأنصار من تأمير سعد بن عبادة حسداً لسعد، وكان قيس من سادات الخزرج.
(١) يقال لعمر: ولآل محمد ÷ بذلك الحجة الظاهرة إلى آخر ما ذكرت. (من خطه ¦).
(٢) قلت: لعل العذر خشية أن يبر الحباب بيمينه. (من خطه ¦).