الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[بقية الباب الثالث]

صفحة 111 - الجزء 2

  ثم حكى مقالة لأبي بكر: إني ناصح لكم في أحد هذين الرجلين: أبي عبيدة بن الجراح وعمر، فبايعوا من شئتم منهما، فقال عمر: معاذ الله أن يكون ذلك وأنت بين أظهرنا، إلى قوله: ابسط يدك أبايعك، فلما ذهبا يبايعانه سبقهما إليه قيس (⁣١) الأنصاري فبايعه، فناداه الحباب بن المنذر: يا بشير بن سعد عاقك عائق ما اضطرك إلى ما صنعت، حسدت ابن عمك على الإمارة، قال: لا والله ولكني كرهت أن أحسد قوماً حقاً لهم، فلما رأت الأوس ما صنع قيس بن سعد وهو من سادات الخزرج، وما دعوا إليه المهاجرين من قريش، وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة قال بعضهم لبعض وفيهم أسد بن حضير: لئن وليتموها عليكم سعداً مرة واحدةً لا زالت لهم بذلك عليكم الفضيلة، ولا جعلوا لكم نصيباً فيها، فقوموا إليه فبايعوه، فقام الحباب بن المنذر إلى سيفه فأخذه، فبادروا إليه فأخذوا سيفه منه، فجعل يضرب بثوبه وجوههم حتى فرغوا من البيعة، فقال: فعلتموها يا معشر الأنصار، أما والله لكأني بأبنائكم على أبواب أبنائهم قد وقفوا يسألونهم بأكفهم ولا يسقون الماء، قال أبو بكر: أمنا تخاف يا حباب؟ قال: ليس منك أخاف ولكن ممن يجيء بعدك، قال أبو بكر: فإذا كان ذلك كذلك فالأمر إليك وإلى أصحابك ليس عليكم طاعة، قال الحباب: هيهات يا أبا بكر إذا ذهبت أنا وأنت جاءنا بعدك من يسومنا الضيم.

  قلت وبالله التوفيق: ينبغي هاهنا أن نوقف مطية السير في نقل الكلام، ويعمل محك النظر فيما قد برز من هذا الخصام:

  أولاً: حضور الأنصار إلى سقيفة بني ساعدة هم وسعد بن عبادة الخزرجي وإرادتهم توليته الأمر هل ذلك جائز لهم عقلاً أو شرعاً أو لا؟ وهل مرادهم أن يولوه تولية عامة في جميع ما أمره إلى الأئمة من الحدود وأخذ الزكوات والجهاد والفيء ونصب الحكام وغير ذلك؟ أو مجرد نصبه رئيساً عليهم فيما يتعلق


(١) وجه التشكيل أن المبايع بشير بن سعد. (منه |)