[بقية الباب الثالث]
  ليصير به غنياً فتجب الزكاة، أو مستطيعاً فيجب الحج، ونحو ذلك، وهذا واضح.
  ولنعد إلى تمام الكلام على الأسئلة الثلاثة السابقة فنقول: قد عرف من المثال المذكور بعدها أن المعاصر للصحابة رضي الله عن الراشدين منهم يتعلق به العمل من السمع والطاعة والنصرة والموالاة في حق المحق، والعكس في حق المبطل؛ إذ لا يمكن إصابة ولا إجابة المتداعيين ولا من غلب منهما لو فرض أنه مبطل؛ لاستحالة الأول عقلاً، وتحريم الثاني شرعاً فقط إن عري عن الظلم ونحوه، أو عقلاً وشرعاً إن لم يعر عنه، فأما من لم يعاصر الصحابة فلا يلزمه إلا الموالاة للمحق منهم، والمعاداة للمبطل منهم.
  إذا تقرر هذا فنقول: لا يخلو الأنصار الذين حضروا السقيفة مع سعد بن عبادة والثلاثة المهاجرين: أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، ومن فرض حضوره معهم من المهاجرين: إما أن يكونوا قد عرفوا جميعهم لزوم تلك الأسئلة للحادثة المذكورة وأجوبتها الصحيحة الشرعية فكيف اختلفوا؟ وإما أن يكونوا غير عارفين بها ولا بأجوبتها، أو البعض عارف والبعض جاهل، ففرض العارف الرد إلى كتاب الله وسنة رسول الله ÷، وفرض الجاهل سؤال أهل الذكر، فأيهم عمل بذلك فلا بد أن الله تعالى قد بين لأهل الذكر حكم هذه الحادثة فيما يتعلق بها من تلك الأسئلة وغيرها؛ لقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}، ولا بد أن الله تعالى قد نصب لهم ما يرجعون إليه عند اختلافهم في ذلك؛ لقوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}[الشورى ١٠]، أي: إلى كتاب الله، ولا بد أن الرسول ÷ بين لهم حكم تلك الحادثة، ولا بد أيضاً أن الله تعالى ورسوله قد بين لهم ونصب ولاة أمر يرجعون إليهم في تلك الحادثة وغيرها؛ لقوله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[النساء ٨٣]، ولقوله ÷: «ما تركت شيئاً يقربكم إلى الجنة إلا دللتكم عليه، ولا تركت شيئاً يبعدكم عن النار إلا دللتكم عليه».