[بقية الباب الثالث]
  وبَايَع قومك. فقال: أما والله حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي(١) من نبل، وأخضب منكم سناني ورمحي، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي، وأقاتلكم بمن معي من أهلي وعشيرتي، ولا والله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي وأعلم ما حسابي. فلما أتي بذلك أبو بكر من قوله قال عمر: لا تدعه حتى يبايعك، فقال لهم قيس(٢) بن سعد: إنه قد أبى ولح، وليس يبايعك حتى يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده وأهل بيته وعشيرته، ولا تقتلوهم حتى تقتل الخزرج، ولا تقتل الخزرج حتى تقتل الأوس، فلا تفسدوا على أنفسكم أمراً قد استقام لكم، فاتركوه فليس تركه بضاركم، وإنما هو رجل واحد. فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن سعد، واستنصحوه لما بدا لهم منه، فكان سعد لا يصلي بصلاتهم، ولا يجمع بجمعتهم، ولا يفيض بإفاضتهم، ولو يجد عليهم أعواناً لصال بهم، ولو يبايعه أحد على قتالهم لقاتلهم، فلم يزل كذلك حتى توفي أبو بكر وولي عمر بن الخطاب، فخرج إلى الشام ومات بها ولم يبايع لأحد.
  قلت: فقد رأيت أيها المنصف أنها انقضت خلافة أبي بكر ومات ولم يحصل الإجماع على بيعته. وفيما عدا هذه الرواية أنه قتل في الشام غيلة؛ وأن سبب ذلك عدم المبايعة منه لأبي بكر وعمر كما هو المشهور، وكما قال بعض الأنصار مجيباً على قولهم: إن سبب قتله أنه بال قائماً فقتله الجن:
  يقولون سعداً شقت الجنُّ بطنَه ... ألا ربما حققت أمرَك بالعذرِ
  فما ذنب سعد أنه بالَ قائماً ... ولكن سعداً لم يبايع أبا بكرِ
  لئن زَهِدَتْ عن فتنةِ المالِ أَنفسٌ ... لما زَهِدَتْ عن فتنة النهي والأمر
  قال: وإن بني هاشم اجتمعت عند بيعة الأنصار إلى علي بن أبي طالب #
(١) في الشافي: حتى أرميكم بما في كنانتي من نبلي.
(٢) هو بشير بن سعد كما في سائر الروايات وكما يأتي في آخر هذه الرواية. (حاشية على الأصل).