الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[بقية الباب الثالث]

صفحة 176 - الجزء 2

  وأنا سمعته من رسول الله ÷ لم يقبل منهم مع كون حال كل واحد منهم كما ذكر بلا خلاف.

  وبعد، فلا يمتنع أن كل واحد منهم خاف على نفسه المعاتبة والمؤاخذة على انفراده إن لم يصدق أبا بكر بعد أن طلبه التصديق وقد صار أبو بكر ذا شوكة يقتدر معها على مؤاخذة كل واحد على انفراده، بل قد صار أبو بكر في تلك الحال متمكناً من البطش بأولئك النفر جميعاً لكثرة من قد بايعه وتابعه من سائر الناس.

  ثم نقول على سبيل التنزل والفرض: سلمنا أن النبي ÷ قال: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة»، ويعمل الحديث إنصافاً للخصم على حسب القواعد الأصولية والأدلة الشرعية والقضايا العقلية واللوازم الضرورية فنقول: هذه المسألة والمعاملة في فدك وخُمُس خيبر وسهم ذوي القربى لا يخلو: أن يكون مما أمره إلى الأئمة، ففعل أبي بكر وإعماله الحديث فيها واجتهاده في كل ما يتعلق بهذه الثلاثة المذكورة مبنية على صحة إمامته ودون تصحيحها خَرْط القَتَاد؛ لما مر من الأدلة القاطعة على إمامة أمير المؤمنين # وبطلان إمامة من تقدمه، أو مما أمره إلى آحاد الناس كإرشاد الضال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكغسل الميت وحفر القبر ودفنه، فلا قائل به من الأمة، فلزم من هذا أنه لا صحة لما فعله ولا ما أعمله أبو بكر من ذلك الحديث وعمل به واجتهد لو فرضنا أنه وفي الاجتهاد حقه واستوفى النظر فيما يتعلق بتلك المخاصمة والمحاكمة في الثلاثة الأشياء المذكورة، فكيف ومعاملته كلها في ذلك مبنية على الحيف والميل والتلوُّن والتلجلج في الحجة، والاختلاف والاضطراب في الأجوبة حسبما مر من روايات ذلك كله، ولزم أن لا عمل في ذلك كله إلا بما رآه أمير المؤمنين واستنبطه واجتهد فيه، دون سائر الناس فلا عمل على اجتهاداتهم في هذه المسألة، ألا ترى أن المسألة المتعلقة بفعل الخصومات لا عمل على اجتهاد أحد فيها سوى الحاكم المولى عليها من طرف الإمام أو حاكم الصلاحية