الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[بقية الباب الثالث]

صفحة 177 - الجزء 2

  أو التراضي عند فقده، وكذلك لا عمل على اجتهاد غير ولي المرأة وولي مال اليتيم فيما يتعلق بهما مما أمره إلى الولي، ونحو ذلك من الأمثلة، ثم إن سلمنا على سبيل التنزل صحة إمامة أبي بكر فحكمه باطل من وجوه:

  أحدها: أن الحديث يحتمل معنيين:

  الأول: أن يكون معناه: ما تركناه حال كونه صدقة قد قبضناها من أربابها ومِتنَا عنها قبل تفريقها في مصارفها فلا تورث عنا.

  والثاني: أن يكون معناه: ما تركناه من أملاكنا فلا يورث عنا، بل يصير صدقة، وليس في الحديث قرينة لفظية تعين أحد المعنيين إلا ما يزعمه الخصم أن الحديث ورد برفع صدقة، وأنه لا يستقيم المعنى الأول إلا لو ورد منصوباً. ولا عمل على هذا، ولا يكفي التعويل عليه والاعتماد على مجرده في تعيين المراد؛ لاحتمال أن الحديث منصوب فرواه أبو بكر أو من تلقفه عنه مرفوعاً ملاحظة للمراد، وإن سلم أنه مرفوع فهو يحتمل أنه خبر مبتدأ محذوف والجملة حالية، والتقدير: ما تركناه وهو صدقة. وحينئذ فلا بد من طلب مُرَجِّح من المرجحات الخارجة عن اللفظ، الراجعة إلى المناسبة وموافقة الكتاب والسنة، وتعديل راوي ما عارض الحديث المذكور من السنة، ونحو ذلك من المرجحات المذكورة في علم الأصول، فيرجح المعنى الأول على الثاني بمرجحات:

  أحدها: أنه لا يعارض آيات القرآن الحكيم، بخلاف المعنى. الثاني فهو معارض لقوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}، وقوله تعالى: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ٥ يَرِثُنِي}.

  لا يقال: المراد وراثة العلم والنبوة والحكمة.

  لأنا نقول: أصل الميراث مع الإطلاق لا يستعمل حقيقة إلا في انتقال المال عن ملك الميت إلى الوارث؛ لأنه لا يفهم من اللفظ عند قولهم: «لا وارث لفلان إلا فلان» غير ذلك، فإن استعمل في غيره فمجاز لا يصح إلا مع القرينة، نحو