الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[بقية الباب الثالث]

صفحة 178 - الجزء 2

  قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}⁣[فاطر ٣٢]، ونحو: «العلماء ورثة الأنبياء»، وأيضاً فإن النبوة والعلم والحكمة لا ينتقل شيء منها عمن هي فيه بالميراث، وإلاَّ لزم تقسيط ذلك على الفرائض: للزوجة الثمن، والجدة السدس، ونحو ذلك، بل ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، النبوة بالوحي، والعلم والحكمة بالتعلم وتكرر النظر وتنوير البصيرة، وأيضاً فقد كان سليمان # نبياً وعالماً زمن داود @، كما قال تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} الآية [الأنبياء ٧٨].

  ثانيها: أنه الأنسب بمقام التشريع؛ ليقتدي بهديه ÷ ولاة الأمر بعده من الأئمة الهادين والعمال والمحتسبين والمقتصدين، فلا يورث عنهم ما جمعوه من الصدقات وسائر بيوت الأموال كما هي عادة بعض سلاطين الجور، فيكون حمل الحديث على هذا المعنى هو المناسب للتشريع، وتكون ثمرة العمل به مستمرة إلى منقطع التكليف، بخلاف حمله على المعنى الثاني فلا مناسبة فيه لمقام التشريع، ولا ثمرة له يستمر العمل بها سوى مصير أملاك الأنبياء $ إلى أيدي الظلمة يتداولونه ويتوصلون به إلى تناول الشهوات، والبغي على أئمة الحق بإنفاقه في قتالهم، وإقطاعه من أعانهم على ذلك، كما قد فعل به جبابرة بني أمية وبني العباس، كما ذلك مذكور في التواريخ وبسائط هذا الفن.

  ثالثها: أنه لم يُسمع ولم يُنقل عن أحد من الأنبياء $ أن ورثته أُحرموا ميراثه، وأنه أخذه عليهم من هو محق بعد مورثهم من نبي أو وصي، ولله القائل:

  أيها الناس أي بنتِ نبيٍ ... عن مآرِيثِهَا أبوها زَوَاها

  رابعها: أن رسول الله ÷ أول من خطب بقوله تعالى: {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} إلى آخر آيات المواريث [النساء ١١] وابنته صلوات الله عليها من أول من يدخل في قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ}، فلا يصح إخراجها عمن تناولته هذه الآيات إلا بناسخ قطعي ومخصص شرعي غير ما ذكره الخصم،