[بقية الباب الثالث]
  لأنه محل النزاع، وقد قَفَّى سبحانه وتعالى هذه الآيات بالوعد لمن أعملها والوعيد لمن تعداها وأهملها فقال تعالى: {تلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ١٣ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ١٤}[النساء].
  خامسها: أن حملها على المعنى الثاني الذي حمله عليه أبو بكر بلا دلالة معينة له يستلزم إغضاب البتول &، وإغضابها مستلزم إغضاب الله تعالى ورسوله، كما قد ثبت بالأحاديث المتواترة والروايات المتظاهرة، فلو سلم أن المراد من الحديث ما ذكره الخصم فلا يدخل فيه نبينا ÷ وابنته & إلا على سبيل دلالة العموم، فيصح تخصيص العموم بإخراج نبينا ÷ وابنته بهذا المخصص بالتخصيصات المنفصلة، وهذا واضح لا إشكال فيه، أفما كان ينبغي لأبي بكر ومن حذا حذوه إعمال المسألة على هذه القاعدة، ويتقي بذلك ويدفع عن نفسه غضب الله ورسوله لو كان من الأئمة الهادين والخلفاء الراشدين.
  الوجه الثاني: مما يدل على بطلان حكم أبي بكر في ذلك: أنه يَلْزَمُ من صحة حكمه لو فرضت رَدُّ الأخبار الواردة بأنه ÷ أنحل فاطمة & فدكاً، وهي روايات متظاهرة متظافرة يرويها الموالف والمخالف، وقد نقل بعضها عن السيوطي في الدر المنثور، وبعضها عمن ذكرنا من أهل البيت $.
  ويؤيدها ما رواه في الاعتصام عن الإمام المحدث أبي القاسم عبيد الله بن عبد الله النيسابوري المعروف بالحاكم الحسكاني ¦ في شواهد التنزيل من ست طرق، كلها تنتهي إلى أبي سعيد الخدري ¥: أن رسول الله ÷ لما نزل عليه قوله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ}[الإسراء ٢٦] دعا فاطمة & وأعطاها فدكاً. منها طريق وهي آخرها لما نزل على رسول الله ÷: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} دعا فاطمة & فأعطاها فدكاً والعوالي وقال:» وهذا لي قسم قسمه الله لك ولعقبك".