[بقية الباب الثالث]
  قبلهم غذاء لهم في كل أكله، يشاهدون معجزاته العظيمة فتكسبهم إيماناً، ويعاينون كراماته الجسيمة فتزيدهم إيقاناً، ويرون أماكن وحي الله بآي الذكر الحكيم، ويبصرون مهابط أوامر الله بأحكام التحليل والتحريم، ويشعرون بنزول ملائكة الله ومختلف الروح الأمين، ويسمعون آيات كتاب الله طرية وقريبة عهد بتنزيل رب العالمين؛ فيصيرون أول متصف بمعرفتها وحكمتها، ويكونون أول مقتطف لثمرتها وبركتها، يسألونه ÷ عما اشتبه عليهم من وجوه تأويلها، ويستوضحونه ما خفي عليهم من مصالح تنجيمها وتنزيلها، ويقتبسون بنور علمه ÷ في تفسير مبهمها ومجملها، ويستعينون بقويم هديه وما سبق لديهم من سنته في استنباط أحكامها وتفصيلها، ويستفتحون بأدوات مباشرته العمل بها مقفلها، ويستخرجون بكيفيات سيرته ÷ كنوز فروعها عن أصولها، ويستكشفون ما طوي من الحِكم اللطيفة تحت مفصولها وموصولها، يسمع أقوالهم فيرد سقيمها إلى الصحيح، ويشاهد أفعالهم فيعلم لديهم فيما سكت عنه الظفر بالمتجر الربيح، ويبين لهم الصواب فيما جرى منهم على خلافه بأكمل توضيح، ويعرفهم ما قصرت عنه أفهامهم من وجوه الترجيح؛ فتماط عنهم شبه الأوهام الكاسدة، ويحط عنهم غب الآثام فيما سبق إليهم من الأفهام الكاسدة، لا يخافون معه زلة في قول ولا عمل، ولا يخشون لوجوده فيهم أي حادثة توقعهم في هول ولا زلل، ولا يَئِسون لمراعاته مصالحهم عن إصابة كل أمل، ولا يقنطون لحسن نظره فيهم عن روح الله في كل أمر حصل، أمره الله بالاستغفار لهم عند أن يأتوا إليه تائبين عن سيئاتهم، وألزمه الصلاة عليهم حين يأتونه بصدقاتهم، يصفح عن مسيئهم فينقلبوا فرحين مسرورين، وينصح من ضل منهم عن الحق فيئوبوا مصلحين مأجورين، ونهاه الله أن يكون فظاً غليظ القلب لئلا ينفضوا عنه بغير فائدة، وألزمه لين الجانب لهم لما في ذلك من اللطف بهم والظفر بكل عائدة، ثم لم يقبضه ÷ إلا وقد