الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[حكم الكبيرة والصغيرة مع الالتباس]

صفحة 194 - الجزء 2

  قلت: وكونهم لم يفعلوا ما فعلوه تمرداً بل لشبهة يحتاج إلى دليل، بل الأظهر حسبما مر من محاججة الوصي # لهم وسائر ما نقل من الأخبار التمرد والتمسك بما ليس شبهة محتملة، كنفرة الناس عن الوصي أو تقديم أبي بكر للصلاة، ولكون النصوص على إمامة أمير المؤمنين لا تخفى على من جالس الرسول ÷ وسمع كثرة ما قاله في أخيه ووصيه وأولى الناس به ولكن الموجب لعدم القطع بكبر المعصية هو أنه اختلف في حد الكبيرة على أقوال، فقيل: كل عمد كبيرة وقيل: ما ورد الوعيد عليه مع الحد أو لفظ يفيد العظم أو الكبر وقيل: ما توعد الله صاحبها النار بعينها دون مجرد الإثم أو المقت أو البغض للفاعل وقيل: ما زاد عقاب فاعلها على ثوابه. ثم قال أهل الثلاثة الأخيرة: وما عدا ذلك فملتبس. ولاختلافهم في حد الكبيرة لم يحصل القطع بأن ما فعله القوم كبيرة، وإن فرضنا تمرداً أو بدون شبهة، إلا مع الاستحلال، والأصل عدمه، ولا يكفي في العلم به مجرد الظاهر.

  فإن قيل: يلزم على هذا أن لا يفسق الباغي، وقد انعقد الإجماع على فسقه.

  قلنا: إنما يتحقق كون الباغي باغياً بعد قيام الإمام بأعباء الإمامة وتحمله أثقال الزعامة، وهذا لم يكن قد وقع من الوصي # حتى يصدق على المتقدم البغي الشرعي.

  فإن قيل: فالنصوص على إمامة أمير المؤمنين # لا تتوقف صحتها ودلالتها على ذلك على قيامه بأعباء الإمامة وتحمله أثقال الزعامة، بل قد ثبتت إمامته بتلك النصوص عقيب وفاة الرسول ÷، فيثبت اسم الباغي لمن منعه واجباً، أو فعل ما أمره إليه مع كراهته، أو نحو ذلك مما ذكر في حد الباغي، وإنما اعتبر القيام وتحمل أعباء الإمامة في بغي من بغى على سائر الأئمة لأنه هو الطريق إلى إثبات إمامة من لم يكن منصوصاً عليه.

  قلنا: إنه وإن كان الأمر كما ذكرت من الفرق بأن إمامة أمير المؤمنين # ثبتت بالنصوص فلا يعتبر في صحتها أو نفاذها القيام والتحمل لأعباء الإمامة،