الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[المحدث غير المحدث]

صفحة 85 - الجزء 1

  ذلك لا يصح وجوده دون الآخر، فيلزمهم أن لا تغاير بين الجسم والعرض، وبين الجسم والتحيز، وبين خلق الله تعالى فعل العبد وكسبه، وهذه إحدى مغالطاتهم في الأوضاع اللغوية وتحريف الكلم عن مواضعه، قاتلهم الله، ومرامهم التوصل بذلك إلى دفع ما ألزمهم أئمتنا $ وأتباعهم في إثباتهم المعاني القديمة أن تكون أغيارًا لله تعالى ولا قديم غير الله تعالى، فاحتالوا في دفع ذلك الإلزام بأن قالوا: ليست أغيارًا لله تعالى؛ لأن الغيرين: ما يصح وجود أحدهما دون الآخر، ولا يصح وجود هذه المعاني من دون وجود الباري تعالى، ولا وجوده من دونها. وهو باطل بما عرفت من نقض هذا الحد.

  وإنما قلنا: إن مُحدث هذه الأجسام والأعراض غيرها (لأنها لا تُحْدِثُ نفسَها؛ إذ الشيء لا يُحْدِثُ نفسَه؛ لأنه يؤدي) هذا القول - وهو أن الشيء يصح أن يحدث نفسه أو يعدم نفسه عدماً محضاً - إلى القولِ بالمحال، وهو باطل ضرورة، وما أدى إلى الباطل فهو بالإبطال أولى، وهذا القول يؤدي إلى المحال من جهتين:

  إحداهما: (أن يكون) ذلك الشيء موجوداً (قبل) وجود (نفسه) وذلك محال لا يعقل؛ لأنه يؤدي إلى أن تكون نفسه معدومة ليصح إيجادها؛ لأن تحصيل الحاصل محال، وأن تكون موجودة؛ لأن الفعل من غير الموجود محال أيضاً، فلو قيل: إنها أحدثت نفسها للزم أنها قبل أن تُحدِثَ نفسها موجودة معدومة في حالة واحدة، وهو محال.

  وثانيهما - أي: ثاني وجهي الإحالة -: أنه يلزم إذا كان الشيء هو الذي أحدث نفسه أن يكون غَيراً لها؛ لِمَا يعلم ضرورة أن المصنوع غير الصانع، والمحدَث غير المحدِث، فيؤدي القول بأنها أحدثت نفسها لو قيل به - وإلا فلا قائل به - إلى القول بأن الشيء غيرُ نفسه وذاته، وبطلان ذلك ضروري، فلم يبق إلا القول بأن محدثها غيرها، ولم يكن هو إياها ولا بعضها.

  وكما أنه لا يصح أن تُحدث هذه الأجسام والأعراض أنفسها فكذلك لا