[فصل:] في إمامة الحسنين بعد أبيهما $
  المهاجرين والأنصار وأبنائهم حتى يبايعوا، فأخذهم زياد بالبيعة أعنف ما يكون من الأخذ وأغلظه، فلم يبايعه أحد منهم، فكتب إلى معاوية: أنه لم يبايعني أحد، وإنما الناس تبع لهؤلاء النفر، فلو بايعوك بايعك الناس جميعاً ولم يتخلف عنك أحد. فخرج معاوية وتوجه المدينة بنفسه، فلما دنا منها تلقاه الناس بين راكب وماش، وخرج النساء والصبيان، فَلاَنَ لمن صافحه، وتلطف في محادثته ومفاكهته للعامة والخاصة؛ ليستميلهم إلى ما طلبه منهم، فمن جملة ما قال لهم: ما زلت أطوي الحُزُنْ اشتياقاً [لمطالعتكم](١) وحُقَّ لجار رسول الله ÷ أن يشتاق إليه، هذا معنى كلامه، فلما استقر في مقامه المعد له أرسل أولاً إلى الحسين بن علي @ وابن عباس ¥، فخاطبهما باللين والرفق، وطلب منهما البيعة ليزيد، فلم يسعداه على(٢) ذلك بعد كلام طويل جرى بينهم، وكلام له من الحسين # في عتابه على أفعاله القبيحة، نحو ما مر من جواب كتابه إليه، فأذن لهما بالخروج، ثم طلب ابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر، وكذلك، ثم أمر المنادي واجتمع الناس إلى المسجد، فخطبهم فحمد الله وأثنى الله، إلى أن ذكر يزيد فأثنى عليه، وذكره بالفضل وقراءة القرآن، حتى قال: والله لو علمت مكان أحد هو خير للمسلمين من يزيد لما بايعت له، فقام إليه الحسين بن علي @ فقال: والله لقد تركت من هو خير منه أباً وأماً ونفساً، فقال معاوية: كأنك تريد نفسك، فقال الحسين #: نعم أصلحك الله، فقال معاوية كلاما في شأن أُمَّي الرجلين، إلى قوله: فأمك لعمر الله خير من أمه، وأما أبوك فقد حاكم أباه إلى الله فقضى لأبيه على أبيك، فقال الحسين #: حسبُك جهلك، آثرت العاجل على الآجل، فقال معاوية: وأما ما ذكرت من أنك خير من يزيد فيزيد والله خير لأمة محمد ÷ منك، فقال الحسين #: هذا هو الإفك والزور،
(١) ما بين المعقوفين من (النصائح الكافية).
(٢) «إلى» ظ.