الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام في أن الإمامة محصورة في أهل البيت $

صفحة 316 - الجزء 2

  لتوهم قصور داود عن رتبة الاجتهاد في سائر المسائل والأحكام وإن أخطأ في هذه، فليس من شأن العالم المجتهد أن لا يخطي في شيء، فالإنسان محل الخطأ، ولكن الشرط هو الإصابة في أكثر ما يرد عليه، بحيث لا يحصل الخطأ منه إلا في القليل النادر البعيد المدرك، وكيف وقد وقع الخطأ في اجتهادات الأنبياء $، كما في قصة آدم ويونس وداود فيما ذكر في امرأة أوريا، وسليمان في شأن ولده حتى ألقى على كرسيه جسداً ثم أناب وقال: رب اغفر لي، وكما في قصة نبينا محمد ÷ في شأن الأعمى، وأخذ الفدى من الأسرى، وغير ذلك، فلا ينبغي لرصين عقل أن يجعل ما يصدر من الخطأ في اجتهادات الأئمة الهادين من عترة سيد المرسلين ذريعة إلى القدح في إمامتهم، ومعذرة عن التخلف عن طاعتهم، مع علو درجتهم وسمو مرتبتهم، ونزاهتهم عن كبائر الإثم والفواحش، وقيامهم بما يجب من نصرة الشريعة المطهرة، وإقامة الحدود، وحفظ بيضة الإسلام، ولو جعلنا ذلك قادحاً لما انعقدت إمامة إمام، وإنما ذلك دأب أهل الشقاق والعمى في الدين، المقتفين من سبق منهم من المتمردين الذين تركوا أمير المؤمنين واعتزلوه أو قاتلوه، كأهل الجمل والخوارج ومن حذا حذوهم من سائر المعاندين على أولئك الأئمة الهادين، نسأل الله اللطف والعصمة والهداية إلى ما فيه النجاة يوم يقوم الناس لرب العالمين.

  وإنما اشترط كونه عارفاً بالقياس والاجتهاد (ليمكنه رد الفرع إلى أصله) عند الاشتباه أو التعارض، فإذا وقع الاشتباه في حكم الفرع بأن كان فيه وصفان يمكن التعليل بكل منهما، أحدهما يقتضي التحريم والآخر يقتضي التحليل أمكنه رد الفرع إلى الأصل المقيس عليه، فيُعلم له الحكم بعد ذلك من تحريم أو تحليل، كما إذا قلنا في تحريم النبيذ بكونه يزيل العقل كالخمر، ولكونه يقذف بالزبد، أو رائقاً كالخمر، فإن هذه الأوصاف الثلاثة محتملة لأن يكون كل واحد منها هو علة التحريم أو أن مجموعهما هو علة التحريم، فمتى أمكنه بعد ذلك استنباط العلة المناسبة للتحريم بطريق الإبطال واستعماله في أيها أو في مجموعها،