الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[دليل الدعاوي على حدوث العالم]

صفحة 93 - الجزء 1

  الدعوى الأولى: أن في الأجسام أعراضاً هي غيرها.

  وقد عرفت حقيقة الجسم وحقيقة العرض بما مر. وهذا أمر معلوم بأدنى تأمل إن لم يكن معلوماً ضرورة، فإنا نفرق بين الجسم المتحرك والجسم الساكن، ونعلم ضرورة أن في أحدهما وصفًا خلاف وصف الآخر، وهو العرض الذي هو الحركة في أحدهما والسكون في الآخر، وإلا لما علم بينهما فرق، وذلك سفسطة وجهالة وإنكار لما تعلمه النفس ضرورة، فثبتت الدعوى الأولى وصارت أصلاً ينبني عليها ما بعدها كما ترى.

  الدعوى الثانية: أن تلك الأعراض محدثة.

  وهذا أيضاً معلوم؛ لأن الحركة تحدث في الجسم بعد أن لم تكن فيه ويعدَم السكون، ثم يحدث السكون وتعدم الحركة، وما صح عليه الوجود بعد العدم والعدم بعد الوجود فهو المحدث.

  الدعوى الثالثة: أن الجسم لم يخل من الأعراض ولم يتقدمها.

  وهذا أيضاً معلوم بأدنى تأمل إن لم يكن معلوماً ضرورة؛ لأنا نعلم أنه لا يصح وجود جسم ليس بمتحرك ولا ساكن، وكذلك لا يصح وجود جسمين ليسا مجتمعين ولا مفترقين، فإن هذه الأكوان الأربعة التي هي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق لا يصح خلو أي جسم منها، لكن الأولين يتعلقان بكل جسم بالنظر إلى ذاته وحده، والأخيرين يتعلقان بكل جسم بالنظر إلى جسم آخر، ولا يعقلان في الجسم الواحد إلا باعتبار أجزائه إلى عند الجوهر الفرد. وأما سائر الأعراض فقد يكون لها هذا الحكم - أعني عدم خلو الجسم عنها - كالألوان، وقد لا يكون لها هذا الحكم كالطعوم والروائح. وقد يكون بعضها خاصًّا بالحيوان كالحياة والموت والشهوة والنفرة والألم والأصوات، وقد يكون بعضها خاصًّا بالإنسان كالضحك والبكاء، وبعضها بالعقلاء فقط كالظنون والأفكار. وكلها