[رد الفلاسفة على دليل الدعاوي والجواب عليهم]
  دالة على حدوث ما قامت به، إلا أنه لما كانت الأربعة الأُول(١) تعم كل الأجسام: السماوات والأرض وما فيهما، وكان قيامها بالأجسام كلها على سبيل النقيضين اللذين يستحيل ارتفاعهما معاً واجتماعهما معاً - كانت هي المتداولة في ألْسِنَةِ المتكلمين، ويعبر عنها بالأكوان الأربعة، وإلا فكلها صالحة للاستدلال على حدوث العالم، لكن الأخص لا يدل على حدوث الأعم؛ لعدم تناوله إياه، كالضحك والبكاء - مثلاً - فلا يدلان على حدوث ما سوى الإنسان ونحو ذلك.
  الدعوى الرابعة: أن كل ما لم يخل من المحدث ولم يتقدمه في الوجود فهو محدث مثله.
  وهذا أيضاً معلوم بأدنى تأمل إن لم يكن معلوما ضرورة، وتحقيقه أنه إذا علمنا ملازمة شيء لشيء آخر بحيث تَيَقَّنَّا أنه لم يفارقه في الوجود لحظة واحدة - فإنا نعلم أن ما وقع على أحدهما من إيجاد أو إعدام وقع على الآخر كذلك، وقد مثله الإمام المهدي # بالتوأمين، فإنا إذا أرَّخْنا ولادة أحدهما وأغفلنا تاريخ الآخر ثم مضت بُرهَةٌ من الزمان فإنا إذا أردنا معرفة عمر الآخر نظرنا في تاريخ ولادة المؤرَّخ ولادَتُه فنعلم يقيناً كمِيَّة عمر الآخر ما داما حيين.
[رد الفلاسفة على دليل الدعاوي والجواب عليهم]:
  وقد خالفت الفلاسفة المدعون قِدَم العَالَم في ذلك - وهو القول بحدوث الأجسام - وأرادوا مناقضة الدليل المذكور بما لا يجدي نفعاً، بل يعود إلى المكابرة وإنكار الضرورة، فبعضهم ذهب إلى إنكار الدعوى الأولى، وهي وجود الأعراض، وذلك مكابرة. وبعضهم لم يسعه إنكارُها لما كانت معلومة بما يقرب من الضرورة فأقر بوجودها وادعى قِدَمَها، وقال: إن اختلافها على الجسم هو على سبيل الْكُمُون والظهور، لا على سبيل الحدوث والعدم، فمتى سكن
(١) وهي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق.