[رد الفلاسفة على دليل الدعاوي والجواب عليهم]
  الجسم كمنت الحركة واختَبَأَت فيه لا أَنها عدمت بالمرة، ومتى احترك الجسم كَمَنَ السكون فيه لا أنه عدم بالمرة، فالحركة والسكون قديمان موجودان في كل جسم على سبيل الظهور والخفاء، لا على سبيل الحدوث والعدم.
  قلنا: هذه جهالة وإثبات ما لا طريق إليه، ودعوى لا يستقيم عليها برهان، بل البرهان قائم، بل الضرورة قائمة على خلافها، فإنا نعلم أنه إذا سكن الجسم لم يكن فيه حركة البتة لا ظاهرة ولا خافية، وكذلك إذا احترك لم يكن فيه سكون البتة لا ظاهر ولا خاف؛ لأن الحركة والسكون نقيضان يستحيل وجود أحدهما في أيِّ محل مع وجود الآخر كما هو حكم النقيضين؛ فدعوى خلاف ذلك باطلة لا تسمع؛ لقدحها في المعلوم بالضرورة.
  وبعضهم أنكر الدعوى الثالثة ولم يسعْهُ إنكارُ الأولى - وهي وجود الأعراض - ولا الثانية - وهي حدوثها - لكن ادعى خلو الجسم عنها فيما لم يزل، وقال: إن الجسم كان خالياً عن الحركة والسكون، وقال: إن أصل العالم جوهرٌ غيرُ متحيزٍ ولا محسوس، ولا محترك ولا ساكن، ولا مجتمع ولا مفترق.
  ومنهم من قال: إن أصل العالم جوهران: أحدُهما يقال له: الهيولى، المنزل من العالم بمنزلة التراب من اللبن، والثاني يقال له: الصورة، المنزل منه بمنزلة التربيع من اللبن، وأنه(١) قبل ذلك لم يكونا محسوسين ولا متحيزين، ولا محتركين ولا ساكنين، ولا مجتمعين ولا مفترقين، ثم حلت الصورة في الهيولى فتحيزا واحتملا الأعراض.
  وهذا أيضاً جهالة وإثبات ما لا طريق إليه، مع أن ذلك يفتقر إلى فاعل يجعل هذا كذا وهذا كذا ثم يجمع بينهما.
  وبعضهم أنكر الدعوى الرابعة وقال: إن العرض وإن كان محدثاً ولا يجوز
(١) الضمير يعود إلى الشأن. (منه |).