الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[دليل آخر على حدوث العالم]

صفحة 97 - الجزء 1

  للجملة كذلك. فظهر لك أنَّ قولَهم بحدوث الآحاد وقدم الجملة مغالطةٌ بخلط الأحكام، وإخراجهم الأكوان عن الضرب الأول وإدخال جملتها في الثاني وآحادها في الثالث وهي مغالطةٌ ظاهرة؛ فتقرر بحمد الله تعالى ثبوتُ هذا الدليل بقيام براهين دَعَاوِيهِ الأربع، وإبطال ما قدح به فيها على أوضح سبيل.

  قال السيد الهادي بن إبراهيم: واعلم أن هذه الدعاوي عظيمة النفع على حدوث العالم، وقد اختلف في أول من استخرجها واستنبطها، فقيل: إنه إبراهيم الخليل ~ كما حكى الله عنه في آية الأُفول، إلى آخر كلامه #.

  قلت: والمحكي في آية الأُفول عن إبراهيم # وأشار الله إليه بقوله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ}⁣[الإنعام ٨٣] إنَّما هو الاستدلال بمجرد العَرَض الذي هو طلوع الكوكب والشمس والقمر وأُفولها، فأما تركيب الدليل على هذا الأسلوب بالدعاوي المذكورة فقيل: إن أول من حرره أبو الهذيل، والله أعلم.

[دليل آخر على حدوث العالم]:

  دليلٌ ذكره الإمام المهدي #، وهو أن يستدل على ثبوت الصانع تعالى بحدوث الأعراض التي لا يقدر عليها الخلق كالروائح والطعوم ونحوهما، ثم يستدل على حدوث الأجسام التي هي السماوات والأرض وما فيهما من الحيوانات والأشجار والأثمار بخبره تعالى على ألْسِنَةِ رسله إلى الخلق.

  قلت: وهذا الدليل جيد لا غبار عليه، وثمرته عدم المؤنة في تحرير أدلة الأعراض على حدوث الأجسام حسبما مَرَّ، ولكنه إنما يفيد العلم على القول بالعدل دون القول بالجَبر؛ لأن القول لا يعلم صدقه إلا إذا علم أن قائله عدل لا يجوز عليه الكذب، وأن مبلغه صادق، وكل ذلك لا يتأتى على قواعد المجبرة من أن الفعل لا يقبح إلا للنهي عنه، فإذا كان الفعل لا يقبح إلا للنهي والله تعالى