الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام على أهل الكبائر من هذه الأمة

صفحة 371 - الجزء 2

  الْخَالِدُونَ}⁣[الأنبياء ٣٤] إذ لو استعمل حقيقة في اللبث المنقطع لانتقضت الآية بمن تعمر أكثر من تخليد سلطان الملك، وتخليد فلاناً في السجن، سيما أهل القرون السابقة كآدم ونوح @ ونحوهما.

  فحينئذ ثبت أن الخلود هو: اللبث الدائم غير المنقطع، وقد يؤكد بعده بالتأبيد كما في كثير من الآيات «خالدين فيها أبداً»، فليس إلا للتأكيد والنص على دفع إرادة التجوز، وقطع طماعية أهل الريب عن ارتفاع العذاب، وقطع تجويز المؤمنين خروجهم من الجنة، فيكون معهم من اليقين ما تطمئن به نفوسهم من عدم الخروج. ووجه الاستدلال بهذه الآية على دخول أهل الكبائر النار ما أشار إليه # بقوله: (والفاسق مجرم كالكافر) هذه المقدمة الصغرى، وهي معلومة قطعاً، ولا مخالف فيها، أعني في كون الفاسق مجرماً، وأما قوله: «كالكافر»، فمراده # التشبيه والتعميم، لا التوصل بالقياس إلى العلم يكون الفاسق مجرماً؛ لأن الأسماء لا تثبت بالقياس، ولأن ذلك معلوم ضرورة بلا تناكر فيه. والمقدمة الكبرى مأخوذة من الآية الكريمة؛ لأن العموم في المجرمين والخبر عنهم بالخلود في النار بمنزلة قولنا: وكل مجرم في عذاب جهنم خالد (و) كذلك (قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}) [الجن ٢٣].

  (و) وجه الاستدلال بها أن (الفاسق عاص كما أن الكافر عاص) وهي في تركيب المقدمتين وإرادة التعميم دون التوصل بالقياس كما ذكر في الآية الأولى (فيجب حمل ذلك) اللفظ في الآيتين (على عمومه)؛ لأن «أل» في المجرمين لاستغراق الجنس، كما هي القاعدة في «أل» الداخلة على اسم الجنس إن لم يكن معهوداً أو قصد به تعريف الماهية، فيكون المراد بها حينئذ التعميم لمدخولها، وكذلك لفظة «مَنْ» فإنها موضوعة للعموم في الخبر والاستفهام، فتعم كل فرد متصف بما ذكر بعدها صلة لها، وهو قوله: {يَعْصِ اللهَ وَرَسُولُهُ}، ولا يخرج من