سورة إبراهيم
  عليهما، ولكنه عرف أن هذا أمر الله سبحانه وتعالى، ولا بد أن يمتثل لأوامره، وعندها دعا الله سبحانه وتعالى شاكياً إليه ما هو فيه من الحزن والضيق، وانه وحده العالم بحاله، وما هو فيه لا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء، ويرجوه أن يعينه على الصبر على بلواه هذه.
  {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ٣٩} ثم حمد الله سبحانه وتعالى بعد ذلك على ما أنعم عليه من الأولاد في كبره وشيخوخته.
  {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ٤٠} ثم يدعو الله سبحانه وتعالى بأن يوفقه هو والصالحين من ذريته إلى طاعته وإقامة الصلاة.
  {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ٤١}(١) يطلب لوالديه المغفرة؛ لأنه كان قد وعد أباه أن يستغفر له {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ}[التوبة: ١١٤]، ويحتمل أن يكون طلبه ذلك للصالحين من آبائه الأولين، وفي ذلك أيضاً تعليم للناس كيف يستغفرون الله سبحانه وتعالى ويطلبونه، فإبراهيم هو قدوة المسلمين {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ}[الحج: ٧٨]، ولكن ينبغي أن ينوي المرء عند ذلك الصالح منهم.
  {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} فلا تظن يا محمد أن الله سبحانه وتعالى غافل عن الظالمين وعن أعمالهم عندما تراهم يتقلبون في النعم التي لا تحصى من التجارة والسعة والعدة والعدد والأمن والأمان والوجاهة والعافية والسلامة والرياسة، فالله سبحانه وتعالى مطلع عليهم وعلى أعمالهم، وسيؤاخذهم عليها؛ فما عليكم إلا الصبر.
(١) سؤال: من حق المغفرة أن يطلب حصولها في الدنيا فما فائدة تعليقها بيوم الحساب؟
الجواب: علقها بيوم الحساب لأنه يحصل بها الفرحة الكبرى إذا نودي بها على رؤوس الخلائق، {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ١٩ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ٢٠}[الحاقة]، {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ٧ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ٨ وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ٩}[الانشقاق].