سورة الفرقان
  مهمته وإنما مهمته التبليغ، وأن يبشرهم وينذرهم بما أعد الله لهم من الثواب والعقاب، وأما أمر حسابهم وجزائهم فهو إلى الله سبحانه وتعالى وحده.
  وكان قد كبر في نفس النبي ÷ عندما لم يَرَ فيهم أيَّ تَأثُّرٍ بدعوته، ولم يلق منهم أي استجابة، فخاف أن يكون ذلك عن تقصير منه فيما كلفه ربه، فطمأنه الله سبحانه وتعالى في هذه الآية بأنه قد أدى مهمته على أكمل وجه.
  {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} وأمره أن يخبر المشركين أنه لم يطلب منهم أجراً مقابل تبليغهم حتى يمتنعوا عن الاستماع له واتِّباعِه خوفاً على أموالهم أن يهدروها في ذلك.
  {إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ٥٧}(١) الاستثناء هنا بمعنى لكن، والمعنى لا أسألكم أي أجر على تبليغي لكم، ولكن من أراد أن يدخل في الإيمان والهدى فليدخل دون أي مقابل.
(١) سؤال: ما هي البلاغة المستوحاة من التعبير القرآني: {أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ٥٧}؟
الجواب: المعنى في هذه الآية مثل المعنى في قوله تعالى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ}[سبأ: ٤٧]، أي: أن ما أمر به النبي ÷ من الزكاة والإحسان إلى الوالدين والأقربين والجيران والمساكين والأيتام والأرامل وأبناء السبيل فمصلحة ذلك ومنافعه هي للمزكي والمنفق ليس لرسول الله ÷ منها أي منفعة ولا مصلحة تخصه.
سؤال: يقال: كيف يجمع بين هذه الآية وقوله تعالى: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[الشورى: ٢٣]؟ وكيف نجمع بينهما وبين قوله تعالى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ٨٦}[ص]؟
الجواب: مودة الرسول ÷ ومودة أهل بيته هي فريضة مفروضة من الله تعالى على أهل الإسلام، ومصلحتها ومنفعتها خاصة بأهل الإسلام، والمراد بالمودة هي الطاعة والاتباع، وطاعة الرسول وطاعة أهل بيته هي في الواقع والحقيقة طاعة لله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}[النساء: ٨٠]، وإن سمى الله تعالى المودة أجراً فليست أجراً في الحقيقة، فالأجر في الحقيقة يكون من عين المال نقداً أو غير نقد، أو يكون منفعة قائمة مقام المال، والمودة في القربى ليست من هذا الباب.