سورة العنكبوت
  يدخلون في الإسلام، فبعضهم كان لا يدخل إلا لخوف أو لأجل مصلحة دنيوية أو نحو ذلك، فاختبرهم الله سبحانه وتعالى بالتكاليف؛ ليتبين الصادق من الكاذب، وقد اختبرهم الله سبحانه وتعالى في أول الإسلام بالحروب والجهاد كيوم أحد ويوم حنين ونحوهما، فكان لا يثبت إلا أولئك الذين أخلصوا في إيمانهم وهم القلة القليلة، وأما الباقون فكانوا يهربون ويفرون خوفاً على أنفسهم من الموت والقتل(١).
  {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أخبر الله سبحانه وتعالى أن الاختبار والابتلاء سنته
(١) سؤال: قد يقال: إذا كان الخوف طبيعة بشرية أو كان لمشاهدة أهوال عظام فما ذنب الذي يخاف، خصوصاً مع كون الجهاد فرض كفاية، وظهور عفو الله سبحانه عنهم في أحد، ومع اشتراط تلك الشروط في كون الفرار من الزحف كبيرة؟
الجواب: في الإنسان طبائع الخوف والبخل والكبر والعجب والفخر وحب الراحة والكسل وظن السوء وحب المال و ... إلخ، وهي طبائع ذميمة يقدر الإنسان أن يتخلص منها قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ٤٠ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ٤١}[النازعات]، وإنما سميت الأحكام الشرعية تكاليف والمؤمن مكلفاً لما فيها من الكلفة والمشقة على المؤمن، ومن كلام أمير المؤمنين #: (ما من طاعة الله شيء إلا ويأتي في كره) أي: إن كل طاعة من طاعات الله ثقيل على النفس تنفر من القيام به النفس وتستثقله؛ لذلك لا يقوم بالتكاليف الشرعية إلا أهل العزائم القوية والصبر العظيم؛ لذلك نقول: إن الخوف ليس عذراً عند تحتم القتال بحصول جميع شرائطه، والبخل ليس عذراً عند وجوب الزكاة و ... إلخ. وعفو الله عن أهل أحد خاص بهم، وقد يكون ذلك لأنه علم أنهم قد ندموا، وقد يكون ذلك لأنها من أول معارك النبي ÷ مع المشركين، وقد كان المسلمون حينذاك في ضعف بالنسبة لكثرة أعدائهم من المنافقين والمشركين، فكان التخفيف عنهم بالعفو أقرب إلى تقوية دولة الإسلام ونشر الدين، أما بعد أحد فقد شدد الله تعالى أمر الجهاد وأنزل فيه قرآناً كثيراً، وكان من آخر ما نزل سورة التوبة وذم المتخلفين عن الجهاد بما لا مزيد عليه من الذم، ولم يعذرهم حين تركوا الجهاد، إلا الذين لا يجدون ما ينفقون، وإلا أهل الأعذار الشرعية كالمرض والعمى والعرج.