محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة العنكبوت

صفحة 317 - الجزء 3

  في الأولين والآخرين، يختبر أتباع الأنبياء لينكشف ويتميز صادق الإيمان من غيره.

  {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ٣} يعني بذلك أنه أراد أن يكشف للناس أمر الصادقين وأمر الكاذبين، وأن تظهر حقيقة كل واحد على الساحة أمام الناس جميعاً⁣(⁣١).

  {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ٤}⁣(⁣٢) فلا يظن أولئك الذين يعملون المعاصي والمنكرات أن الله تعالى لن يستطيع أن يلحقهم أو ينالهم، أو أنهم سيهربون من قبضته وقدرته، فلن يفوتوه وسيلحق بهم وسيجازيهم. ومعنى «يسبقونا»: يعجزوننا أو يفوتونا.

  {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ٥} من كان يؤمن بالله واليوم الآخر وبالبعث والحساب ويأمل ذلك فسيلقى جزاءه يوم القيامة، وسيوفيه حسابه، وسيجازي كل امرئ على جميع أقواله وأفعاله، صغيرها وكبيرها، ظاهرها وباطنها.

  {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ٦} فالله سبحانه وتعالى غير محتاج لعباده ولجهادهم عن دينه، وإنما ينفعون بذلك أنفسهم، وتكليفهم بالجهاد إنما هو فتنة واختبار لإيمانهم، وتعريض لهم على الدرجات الرفيعة في الجنة.


(١) سؤال: يقال: هل يمكن أن نحمل علم الله تعالى على ظاهره، وأنه يعلم الذين صدقوا واقعياً بعد وقوع صدقهم في الاختبار، وأنه قبل الاختبار كان يعلم أنه سيقع صدقهم أو نحو ذلك؟

الجواب: نعم، معنى الآية هو كما ذكرتم، فالله تعالى يعلم من هو الذي سيجاهد ومن سيترك الجهاد، فإذا جاهد المؤمن علم الله أنه قد جاهد وسماه مجاهداً، أما قبل أن يجاهد المؤمن فلا يصح أن يعلم الله أنه قد جاهد وأنه مجاهد.

(٢) سؤال: ماذا تفيد «أم» في هذه الآية؟ وكذا ما في قوله: {مَا يَحْكُمُونَ

الجواب: «أم» بمعنى «بل» والاستفهام فيها للإنكار، و «ما» في محل نصب تمييز، و «يحكمون» في محل نصب صفة لما.