محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة البقرة

صفحة 175 - الجزء 1

  {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} الإصر: هو الحمل الثقيل. حمّل الله اليهود أحمالاً ثقيلة وتكاليف شديدة في دينهم، فحين عبدوا العجل لم يقبل لهم توبة إلا بقتل أنفسهم، وفي دين الإسلام يكفي التوبة والاستغفار.

  {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} من التكاليف، {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا} العفو: هو عدم المؤاخذة بالذنب، والمغفرة: أن يمحو الله الذنب ويزيله من الوجود كأن لم يكن، والرحمة: هي عامة فيما يعطيه الله لعباده من خير الدنيا والآخرة.

  {أَنْتَ مَوْلَانَا} أنت ناصرنا {فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ٢٨٦} حكى الله إيمان الرسول والمؤمنين، وذكر رجوعهم إلى الله، وافتقارهم وتوسلهم إليه، ليحتذي المؤمنون حذوهم، ويقتدوا بهم في ذلك.

  * * * * *


= {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}.

٣ - أمر الله تعالى نبيه ÷ بالاستغفار في سورة النصر وهي من آخر ما نزل من سور القرآن الكريم، وقد غفر الله تعالى له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، والنبي ÷ عالم بذلك، وذكر الله تعالى في كتابه الكريم استغفار نوح وإبراهيم وموسى À، فبما ذكرنا يظهر وجه الحسن في الدعاء بعدم المؤاخذة فيما علم أن الله تعالى لا يؤاخذ به، وتظهر الفائدة التي سأل عنها السائل.

وبهذا يظهر الوجه والفائدة في الدعاء الذي جاء بعد ذلك الدعاء المسؤول عنه وهو: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}.

ونزيد هنا على ما سبق فنقول: في قوله: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا} الذي يظهر لي أن المعنى المراد في هذا الدعاء: هو طلب التوفيق من الله فلا نقع فيما وقعت فيه بنو إسرائيل من العظائم التي استوجبوا بارتكابها أن يكلفهم الله تعالى التكاليف الشاقة.

وذكر بعض المفسرين من أئمتنا وغيرهم أن المعنى في قوله: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} هو طلب تخفيف التكاليف التي تصعب عليهم، وتنفر عنها النفوس مع استطاعتهم وقدرتهم على فعلها.