محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة غافر

صفحة 4 - الجزء 4

  {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} ثم أخبر الله سبحانه وتعالى نبيه ÷ أنه لن يكذب بآياته ويشكك فيها إلا الذين كفروا بالله تعالى ورسوله، واستكبروا عن الإيمان بها، ورفضوا قبولها، وأنه لن يجادله فيها إلا هؤلاء، وجدالهم هو أنهم تارة يقولون: ليست إلا سحراً، وتارة: كلام مفترى، وتارة: أساطير الأولين اكتتبها، وأما المؤمنون فإنهم سيقبلون آياته ويتواضعون لأمره وينقادون لطاعته.

  {فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ ٤} فلا تغتر يا محمد بما تراهم فيه من النعيم والعز والجاه والثراء والكثرة، مع ما عليه المؤمنون من القلة والضعف والفقر والشدة، فلا يذهب بك الظن إلى أن ما هم فيه بسبب رضاء الله تعالى عنهم، وإنما ذلك استدراج من الله تعالى وإمهال لهم إلى أن يحين موعد أخذهم وتعذيبهم وأيضاً لإكمال الحجة عليهم. ومعنى «تقلبهم»: تنقُّلهم سالمين آمنين.

  {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ} وقد كذب قبل قومك يا محمد قوم نوح وكذلك بقية الأمم التي أتت بعد قوم نوح، فكانوا كلما أرسل الله سبحانه وتعالى إليهم رسولاً كذبوه ولقي من أمته مثل ما تلاقيه من قومك من التكذيب والاستهزاء والأذى.

  {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ} وكل أمة من الأمم المكذبة قد عقدت نيتها وعزمت على الفتك بنبيها وأجمعت على قتله والتخلص منه.

  {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ٥}⁣(⁣١) وكذلك كانوا يجادلون أنبياءهم، ويرمونهم بالإفك والافتراء والتشكيك في نبوتهم، فأخذهم الله سبحانه وتعالى بعذابه جزاءً على كفرهم وتمردهم، وقومك يا محمد سيصيبهم مثل ما أصاب تلك الأمم من قبلهم. ومعنى «ليدحضوا» ليزيلوا به الحق.


(١) سؤال: يا حبذا لو أعربتم {فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ٥}؟ وذكرتم الغرض من الاستفهام بـ «كيف»؟

الجواب: «كيف» في محل نصب خبر كان مقدم. «عقاب» اسم كان مرفوع بضمة مقدرة على آخره وهو مضاف إلى ياء المتكلم التي حذفت وتركت الكسرة على الباء لتدل عليها. والغرض من الاستفهام هو تعظيم العقاب وتفخيمه.