محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة الجاثية

صفحة 146 - الجزء 4

سورة الجاثية

  

  {حم ١ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ٢} لا زال الله سبحانه وتعالى يدعو المشركين ويناديهم إليه ويكرر نداءه لهم، ويؤكد لهم مقسماً⁣(⁣١) بأن هذا القرآن الذي جاءهم به نبيهم منزل من عنده تعالى، وأن محمداً لم يأت به من عند نفسه أو يتعلمه من عند أحد.

  {إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ٣} ثم بعد ذلك يحثهم على النظر والتفكر في الآيات التي بثها لهم في السماوات والأرض، والتي ستسوقهم إلى معرفته، غير أنه لن ينظر ويتفكر فيها إلا المؤمنون المتواضعون لقبول الحق، فهم الذين سينتفعون بها ويعترفون بعظمة بارئها وخالقها، ويذعنون له، ويستسلمون لعظمته وينقادون لما يأمرهم به.

  {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ٤}⁣(⁣٢) وخَلْقُكُم أيها


(١) سؤال: من أين استفدنا القسم هذا؟ أم أنكم اخترتم في هذا الموضع أن «حم» للقسم؟

الجواب: بنينا هنا على قول بعض المفسرين وهو قول قوي.

(٢) سؤال: من فضلكم ما السر في توزيع الأوصاف في هذه الثلاث الآيات: «للمؤمنين» «يوقنون» «يعقلون»؟

الجواب: ذكر المؤمنون في الآية الأولى لأنهم الذين ينتفعون بآيات السموات والأرض ويتفكرون في خلقهما ويصلون بألبابهم وجَوْدَةِ نظرهم إلى الحكمة والغاية من خلقهما ثم يتوجهون إلى الله قائلين {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ١٩١}⁣[آل عمران].

وفي الآية الثانية ذكر «يوقنون» لأن من شأن أهل الإيقان أن يتوصلوا بالنظر في خلق أنفسهم وخلق ما بث الله من الدواب على وجه الأرض إلى الإيمان واليقين بالخالق الحكيم العليم، وأنه هو الإله الحق، وأن ما سواه باطل، {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ ٥٨ ءَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ ٥٩}⁣[الواقعة].

وفي الثالثة ذكر «يعقلون» لأن من شأن العاقل أن يدرك بعقله معرفة الخالق العظيم؛ فالآية الأولى تضمنت ذكر الآيات المبثوثة في السموات والأرض، والتي لا يدرك ما فيها من الدلالة =