سورة الفتح
  بعد فقرهم أغنياء، وكان ذلك الذي بشرهم به هو فتح خيبر، وقد حصل لهم بعد رجوعهم من الحديبية فتح خيبر ثواباً منه سبحانه وتعالى عندما علم بصدق نياتهم.
  وأما السبب في ترك النبي ÷ لقتال المشركين من قريش فلأنه عقد معهم الصلح بعد هذه البيعة ورجعوا جميعاً سالمين غانمين، وعندما رجعوا توجه بهم النبي ÷ إلى خيبر وكان ما كان من الفتح والمغانم الكثيرة.
  {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ(١) لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ} ووعدهم الله تعالى أيضاً بأنه سيثيبهم بمغانم كثيرة وأموال طائلة يصيبونها فيما يستقبل من زمانهم غير ما عجله لهم من مغانم خيبر، وكذلك أثابهم بأن كف أيدي المشركين عن قتالهم ثواباً عجله لهم، وجزاءً على صدقهم مع نبيهم ÷.
  {وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ(٢) وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ٢٠} وأيضاً قد جعل الله سبحانه وتعالى ذلك الذي عجله لهم آية بينة لهم ليتيقنوا صدق وعد الله
(١) سؤال: يقال: إذا كانت الفاء للتفصيل لما تقدم فيقتضي أن كف الأيدي عنهم في المستقبل غير كفها يوم الحديبية فما رأيكم، مع تعليله؟ وهل يصح أن يحمل على ما حصل في فتح مكة؟
الجواب: حصلت بيعة الرضوان خشية وتحسباً للمواجهة مع قريش وخلصت نيات المبايعين وصدقت عزائمهم ثم إنه لم يحصل ما خشيه النبي ÷ والمسلمون أي: أن الله تعالى كف أيدي قريش يومئذ، وكفه لأيديهم مستقبل بالنسبة لوقت المبايعة تحت الشجرة، ولا تعظم النعمة في نفوسهم إلا إذا كفاهم الله شر عدوهم الذي توقعوا أن يصبحهم أو يمسيهم في الحديبية، ورأوا أنه لا يخلصهم منه إلا الأيمان والعهود الوثيقة على مواجهته ومقاتلته حتى الموت، والفرار عار وخزي؛ فبايعوا النبي ÷ وحلفوا له على الثبات والقتال معه حتى الموت، فشكر الله تعالى لهم هذا الجد وتلك العزيمة الصادقة.
(٢) سؤال: فضلاً علام عطف هذا التعليل؟ وكيف تكون الهداية علة للتعجيل أو الوعد؟
الجواب: عطف على تعليل مقدر أي: لكذا وكذا ولتكون آية للمؤمنين أي: آية دالة على صدق النبي ÷ فيما حدثهم به من وعد الله لهم، وبتحقق وعد الله لهم يزداودن ثباتاً وبصيرة في دينهم، والهدى هو زيادة البصيرة في الدين.