سورة الفتح
  ويهبون لنصرته ونجدته والدفاع عنه بأنه سيثيبهم على ذلك بأجزل الثواب وأحسنه في دار كرامته ومستقر رحمته، وأما من يعرض عن دعوة الله ولا يستجيب لنداء نبيه ÷ فسيعذبه الله سبحانه وتعالى عذاباً أليماً في الدنيا والآخرة.
  {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ(١) يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ(٢) مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ١٨ وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ١٩} ثم أوحى الله سبحانه وتعالى إلى نبيه ÷ أن يبشر أولئك الذين بايعوه بيعة الرضوان بأنه قد رضي عنهم وأحبهم، وأنه قد علم بصدق نياتهم في الثبات مع نبيهم ÷، والقتال بين يديه حتى الموت فأنزل بسبب ذلك الثقة والطمأنينة في قلوبهم حتى لا يلحقهم الخوف أو الرعب، وأيضاً بشرهم بفتح سيفتحه على أيديهم ويصيبون من ورائه الغنائم والأموال الطائلة حتى يصبحوا من
= النبي ÷ قد دعا الجميع إلى الخروج معه فتخلف الأعراب عن دعوته وطاعته وعصوه فيما أمرهم به؛ لذلك قال الله هنا: {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ} فوجب هنا على الأعراب وغيرهم بدعوة الرسول ÷ إلى الخروج معه فتولوا عن طاعته، وقد كان ذلك وفي المسلمين قلة.
(١) سؤال: فضلاً ما إعراب «إذ»؟ وهل يفيد شيئاً هذا القيد؟
الجواب: «إذ» ظرف لما مضى من الزمان، و «يبايعونك» بمعنى الماضي، ويفيد أن رضوان الله عنهم قد كان في وقت مبايعتهم للرسول ÷ تحت الشجرة لا في جميع الأوقات؛ لذلك قال تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ١٠}.
(٢) سؤال: ما وجه العطف بالفاء هنا، فلم يظهر لنا السببية فيها كما في قوله: «فأنزل»؟
الجواب: لم يظهر لي الوجه في ذلك إلا إذا حملنا الآية على التقديم والتأخير أي: علم الله ما في قلوبهم من الإخلاص والنية الصالحة فرضي عنهم، وتكون الفائدة من التقديم والتأخير هي ترتيب قوله: {فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} على قوله: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} والله أعلم.