محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة الحشر

صفحة 390 - الجزء 4

  خرجوا وتركوا أموالهم وديارهم.

  وكان سبب خروجهم أن النبي ÷ حاصرهم بعد غزوة الخندق عندما نقضوا العهد والصلح الذي كان بينهم وبين النبي ÷، وكانوا قد اتخذوا لهم حصوناً منيعة حول قراهم ليدافعوا عن أنفسهم من ورائها، ولكن بعد أن ضيق عليهم المسلمون واشتد عليهم الحصار اتفقوا مع النبي ÷ أن يخرجوا من ديارهم وأموالهم ويتركوها للنبي ÷ والمسلمين مقابل سلامة أرواحهم، وقد شرط عليهم النبي ÷ أن لا يأخذ أحد من أمواله إلا ما يحمله بعيره، ثم خرجوا إلى بلاد الشام، وقد كانوا أهل ثراء وغنى وأموال طائلة فتركوا بعدهم كل أموالهم وثرواتهم؛ فأخبر الله سبحانه وتعالى أنه هو الذي قذف في قلوبهم الرعب، وقد كانوا أهل شدة وبأس وقتل وقتال، ولا يتصور أحد أو يكون في حسبانه أنهم سيخرجون بكل تلك السهولة مخلفين وراءهم كل ما يملكون.

  وقد أراد الله سبحانه وتعالى بأول⁣(⁣١) الحشر: هو حشرهم ونفيرهم إلى بلاد الشام، وأما الحشر الثاني: فهو عندما يحشرهم الله سبحانه وتعالى يوم القيامة.

  وقد خربوا بيوتهم وقطعوا أشجارهم قبل خروجهم لئلا ينتفع بها المسلمون بعدهم، وكان المسلمون كذلك يخربون⁣(⁣٢) بيوت اليهود ويقطعون نخيلهم وأشجارهم من شدة ما يجدون من الكراهية لهم والحقد عليهم.

  ثم أمر الله سبحانه وتعالى عباده أهل العقول أن يعتبروا بما جرى عليهم، وأن


(١) سؤال: هل يمكن أن يفسر أوله ببداية الحشر فيقابل نهايته وذلك إخراج بقية أهل القرى إلى الشام فما رأيكم؟

الجواب: قد فسر الحشر الثاني بما ذكرنا وفسر أيضاً بما ذكر في السؤال وهو إخراج بقية اليهود من جزيرة العرب وترحيلهم إلى الشام.

(٢) سؤال: هل باشر المسلمون التخريب حال الحصار أم كيف؟

الجواب: نعم باشروا الخراب لقوله تعالى: {بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ}.