سورة الحاقة
  مِنْ بَاقِيَةٍ ٨} ثم أخبر الله تعالى أن قوم صالح وقوم هود قد كذبوا بها وأنكروا البعث والحساب والجزاء، فأهلكهم الله وعذبهم جزاء تكذيبهم وتمردهم على أنبيائهم؛ وقد أهلك الله سبحانه وتعالى ثموداً بصيحة(١) من السماء لم تتحملها أجسامهم فصعقتهم جميعاً، وأما عاد فقد أهلكهم الله سبحانه وتعالى بريح عظيمة لها صوت وصرير من شدتها وقوتها، وقد استمرت تعصف بهم سبع ليال وثمانية أيام حتى حسمتهم وأبادتهم، ونثرت(٢) أجسادهم كجذوع النخل في كل مكان، ولم تبق على أحد منهم، وقد شبههم الله سبحانه وتعالى بأعجاز النخل؛ لما كانوا عليه من القوة والأجسام الكبيرة، ومعنى «حسوماً»: مستأصِلة قاطعة لدابرهم.
  {وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ ٩ فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً ١٠} وكذلك فرعون وجنوده، وأيضاً من كان قبله من الأمم،
= يَغْشَى ١}[الليل]، {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ٢}[الضحى]، {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ}[الإسراء: ١٢]، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ٤}[الشمس]، {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}[الجاثية: ٥]، {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا}[الأنعام: ٩٦]، ونحو ذلك. «فهل» الفاء عاطفة للمسبب على السبب، هل: حرف استفهام بمعنى النفي، «ترى» مضارع وفاعله مستتر، «لهم» متعلق بمحذوف حال من باقية، «من باقية» باقية: مفعول به مجرور لفظاً منصوب محلاً. وأنث «باقية» لأن المراد نفس باقية والنفس مؤنث، وتقدير النفس هو المناسب لأن الريح أهلكت الرجال والنساء والذراري.
(١) سؤال: وما وجه تسميتها طاغية؟
الجواب: الوجه هو أن الصاعقة أو الصيحة التي أهلكتهم كانت شدتها زائدة كبيرة فالمعهود أن الصاعقة إذا نزلت في قرية فلا يتجاوز ضرها أهل مجلس أو أهل بيت، أما صاعقة ثمود فإنها أهلكتهم جميعاً وهم أمة كبيرة.
(٢) سؤال: هل نفهم هذا من قوله: «خاوية» أم من ماذا؟
الجواب: بل فهم ذلك من قوله: {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى} فيرى الناظر القوم في بلاد ثمود صرعى والمفروض أن يكونوا مشتتين في بلادهم إما لأنهم كانوا مشتتين في جوانب بلادهم، وإما لأن الريح نثرتهم وشتتهم.