سورة البقرة
  وبما جاءت به أنبياء الله ورسله À من عند الله.
  فهؤلاء هم الذين ينتفعون بالقرآن، ويهتدون بهديه، ويؤمنون به، وهم الذين استحقوا الفوز والظفر برضوان الله وثوابه في الدنيا والآخرة، دون غيرهم من المشركين وأهل الكتاب فلا حظ لهم في ذلك ولا نصيب، وهذا هو معنى قوله: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى(١) مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ٥}.
  وقد قَسَّم الله الناس في سورة البقرة إلى ثلاثة أقسام: المؤمنون، ثم الكافرون، ثم المنافقون؛ فهؤلاء الثلاثة الأصناف هم الذين كانوا في عهد النبي ÷.
  فبعد أن ذكر المؤمنين وأثنى عليهم ذكر الذين كفروا فقال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ٦ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ٧} أي: لا تتعب نفسك في إقناعهم فقد ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم، وعلى أبصارهم غشاوة، لا تنفذ دعوتك إليهم أبداً.
  وليس المراد الختم الذي هو التغطية، وإنما أراد الله تعالى أن يصور(٢) لنبيه ÷ حالة المشركين وموقفهم من دعوته فصورهم تعالى له ÷ بصورة مقنعة للنبي
(١) سؤال: ما فائدة الإخبار بأنهم «على هدى»، دون الحكم بهدايهتم؟
الجواب: ليفيد أنهم أهل بصائر ويقين؛ بسببها سلكوا طريق الهدى وركبوه، وتمكنوا فيه تمكن الراكب البصير على ظهر الجواد.
(٢) سؤال: هل المراد بما قلتم أنه تشبيه تمثيلي؟ وهل يصح أن نحمل الختم على الخذلان؟ أو على أن التمتيع لهم بأنواع النعم كالسبب في غفلتهم وإعراضهم وهو من الله كما قالت الملائكة: {وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ}[الفرقان: ١٨]؟
الجواب: المراد أن ما ذكرنا تشبيه تمثيلي، وهو أحد الأوجه التي ذكرها في الكشاف، ويصح حمل الختم على التمتيع لهم، ويكون من الإسناد المجازي، وعلى الخذلان أيضاً، ويكون من الإسناد المجازي.