محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة الأنفال

صفحة 21 - الجزء 2

  وقد شبه الله سبحانه وتعالى الذين لا ينتفعون بما قرأه عليهم النبي ÷ ولم يعملوا به وكذبوا بما جاءهم به بالذي هو أصم لا يسمع وأبكم لا يتكلم، وأخبر أن من حاله هكذا فهو شر خلقه.

  {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ٢٣}⁣(⁣١) حتى ولو سمعوه وعقلوه في قلوبهم لأعرضوا عنه وعن العمل به.

  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين أن يستجيبوا لنبيه ÷ إذا دعاهم لما فيه عزهم في الدنيا والآخرة، وهو الإيمان والجهاد؛ لأن الإيمان يعز المرء، ويرفع قدره في الدنيا والآخرة⁣(⁣٢).

  {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ٢٤} أراد الله


(١) سؤال: من فضلكم لو فسرتم هذه الآية بتفصيل وذكرتم الإسماع في حق الله وما هو، فهو مطلوب، فقد يستدل بها أهل الجبر؟

الجواب: المراد: لو علم الله فيهم خيراً لَلَطَف بهم وأمدهم بالمعونة والتنوير، ولو أنه لطف بهم وأمدهم بأنوار الهداية والمعونة لما انتفعوا بألطافه وأنوار هدايته. وقد أسمعهم الله تعالى آيات القرآن الكريم وبيناته وحججه على لسان رسوله محمد ÷، فسمعوها بآذانهم، ووعوها بقلوبهم؛ فأعرضوا {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ٥٤}⁣[النور]، فقد بلغهم رسول الله ÷ البلاغ المبين، وأدى إليهم ما أوجب الله عليه من التبليغ؛ لذلك عرفنا أن المراد هنا بقوله: {لَأَسْمَعَهُمْ} {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ} هو أمر آخر غير سماع الأذن، فمن هنا فسرنا ذلك بما فسرناه. وبعد، فليس في ظاهر الآية ما يصح التمسك به كدليل على الجبر، فإسماع الله لهم وعدم إسماعه لا يدل على إجباره أو عدم إجباره لهم لا من قريب ولا من بعيد، بل إن الآية تدل على اختيارهم للكفر والإعراض والتولي: {لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ٢٣}.

(٢) سؤال: هل يدخل طلب العلم النافع فيما يحيينا إذا دعينا إليه أخذاً من قوله: {فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا}⁣[الأنعام: ١٢٢]؟

الجواب: نعم، يدخل طلب العلم النافع الديني في مدلول الآية كما في قوله: {فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا} وذلك لأن الدعاة والمرشدين يدعون اليوم إلى الدين الذي كان رسول الله ÷ يدعو الناس إليه ويعلمونه للناس.