سورة التوبة
  {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} أخبر الله سبحانه وتعالى نبيه ÷ بأن يخلف مكانه عند خروجه من يحرس المدينة ويحميها؛ لأن الأعداء كانوا يتربصون بها وبأهلها، ويتحينون الفرص لاقتناصها، فخلف علي بن أبي طالب مكانه بعد أن كان أمير المؤمنين قد ألح عليه في الخروج معه، ولكن النبي ÷ أصر على بقائه، ولن يحفظها أحد غيره، وكذلك في كل غزوة فلا ينبغي أن ينفروا جميعاً، ويتركوا بلادهم وأهليهم وأولادهم عرضة للعدو.
  {فَلَوْلَا نَفَرَ(١) مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} ليخرج من كل فرقة وقبيلة مجموعة منهم مع النبي ÷(٢)
= يَعْمَلُونَ ١٢١} أي: ليجزيهم أحسن الأجر والثواب على أحسن الأعمال التي كتبها لهم، إلا أنه ذكر السبب الذي استحقوا به الثواب وأقامه مقام المسبب الذي هو الأجر والثواب، والقرينة واضحة، بل القرائن على ما ذكرنا متعددة ذكرناها في التفصيل، وآخر قرينة هي قوله: {لِيَجْزِيَهُمُ} والجزاء على الأعمال الصالحة هو الأجر والثواب.
(١) سؤال: ما معنى «لولا» في الآية؟
الجواب: معناها التحضيض إلا أنها إذا دخلت على الفعل الماضي أفادت التنديم.
(٢) سؤال: يقال: أصل النفير إلى الجهاد، فهل يصح حمله على الخروج لطلب العلم أم كيف؟
الجواب: كان النبي ÷ هو مصدر العلم وعنه يؤخذ التفقه في الدين، وكان ÷ إذا نفر للغزو تفتح أبواب التفقه في الدين وأبواب الفرص العريضة حيث أن الغزاة لا يفارقون الرسول ÷ لا ليلاً ولا نهاراً ولا وقت النوم واليقظة ولا وقت الوضوء والصلاة ولا ... إلخ، فإذا سأله سائل سمعوا جوابه و ... إلخ، وفي سفره فقهوا صلاة السفر، وصلاة الخوف، وصلاة النافلة، وآداب السفر، وحقوق المركوب، وحقوق الصاحب، وما لا يحصى من دقائق الأحكام الفقهية، بالإضافة إلى ما يبتدئهم به من العلم والمواعظ والذكر. وكانت غزواته تمتد إلى شهر أو أكثر أو أقل، فسافر ÷ إلى مكة أربع مرات، كل سَفْرة تمتد إلى شهر تقريباً، وهي سفرة لعمرة الحديبية، ثم لعمرة القضاء، ثم لفتح مكة، ثم للحج، =