محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة هود

صفحة 220 - الجزء 2

  ويؤخذ من ذلك: أنه لا يجوز أن يسأل المرء أو يدعو بشيء وهو يعلم أن الله لا يريده ولا يفعله، كأن يسأل الله سبحانه وتعالى أن يعمره ألف سنة، أو ألا يميته، أو نحو ذلك.

  {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ٤٧} تاب نوح إلى ربه وندم على ما كان منه في شأن ولده، واستغفر الله سبحانه وتعالى.

  {قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ٤٨} أمر الله سبحانه وتعالى نوحاً ومن معه أن ينزلوا إلى الأرض، ويسكنوا فيها، ويعمروها بذكره، وأخبرهم بأنه سيحفظهم من الآفات والمصائب، وأن بركاته مصاحبة لهم، وأنه سيبارك في ذراريهم وأرزاقهم، وسيتكاثرون هو ومن معه من الناس ومن الحيوانات.

  وقد أراد بالبركة: الكثرة والنمو لذراريهم، وأنهم سيعمرون الأرض وسيملؤونها مكان أولئك الذين أهلكهم.

  وأخبره الله سبحانه وتعالى أيضاً أنه سيكون من هؤلاء الناس أمم سيكذبون رسلهم، وسيعذبهم الله على ذلك، وأن حالهم سيكون كحال أولئك الذين أهلكهم من قومه.

  والله أعلم كم عاش نبي الله نوح بعد ذلك، وكم تعمَّرَ؛ فلم يقص الله سبحانه وتعالى لنا إلا مدة دعوته في قومه وهي تسعمائة وخمسون سنة.

  وأما الذين نجاهم الله سبحانه وتعالى معه فهم ثلاثة من أولاده فقط⁣(⁣١)، وهم سام وحام ويافث، وقد تناسل الناس منهم.


(١) سؤال: يقال: كيف نجمع بين هذا وبين قوله في الآية نفسها: {وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} فظاهرها أنه أسلم معه أمم من الناس؟

الجواب: قد دل القرآن الكريم على ما ذكرنا، وذلك في قوله تعالى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ}⁣[الإسراء: ٣]، وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ٧٧}⁣[الصافات]؛ لذلك فتفسر الأمم التي مع نوح بأولاده وذراريهم الموجودة معهم، وذراريهم التي ستأتي بعد إلى يوم القيامة، وسموا أمماً لأنهم يحملون في أصلابهم أمم الأرض إلى يوم القيامة.