سورة هود
  ثم إن الله سبحانه وتعالى أخبر عن حال تلك الأمم فقال: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ}، وهي قصة نوح مع قومه، وأمر السفينة والغرق فهي من الأخبار التي يختص الله سبحانه وتعالى بعلمها، ولا أحد يعلمها لا أنت يا محمد، ولا أحد من قومك، وإنما أوحينا إليك علم ذلك، لنطلعك على أخبار الأمم التي كذبت برسلها، وفي ذلك دلالة على نبوة محمد ÷.
  {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ٤٩} ذكر الله سبحانه وتعالى هذه القصة ليُصَبِّرَ نبيه ÷؛ لأنه ÷ إذا علم أن نوحاً قد لبث في قومه تلك المدة، و علم كم آمن من قومه - هان عليه أمره، وما يلاقيه من تكذيب قومه، فأمره بالصبر؛ لأن النصر والظفر سيكون في النهاية لمن أتقاه وأطاعه، وإن كان القهر والغلبة والسلطان في الظاهر للمشركين؛ فإن العبرة بعاقبة الأمر ونهايته، وهذا وعد من الله سبحانه وتعالى لنبيه ÷ وللمؤمنين بأنهم سوف يخلفون في الأرض في نهاية الأمر بعد أن يقهر المشركين، ويخزيهم ويذلهم في الأرض.
  {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا}، ثم ذكر الله سبحانه وتعالى قصة قوم عاد مع نبيهم الذي أرسل إليهم وهو هود #.
  {قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ ٥٠} أرسلني الله سبحانه وتعالى إليكم لأنهاكم عن عبادة الأصنام من دونه، وآمركم بعبادته وحده؛ لأنه الإله الذي يستحق العبادة، والذي يحمل صفات الإلهية لا تلك الأصنام التي تدعونها من دون الله سبحانه وتعالى افتراءً عليه، فلا تحمل من صفات الإلهية شيئاً، فلا علم ولا قدرة، ولا تحيي ولا تميت، ولا تغني شيئاً.
  وقوم عاد كانوا قاطنين في بلاد حضرموت في أرض الأحقاف (الكثبان الرملية).
  {يَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} لم أطلب منكم أجراً على دعوتي لكم كي تتثاقلوا ذلك، وتتباطئوا عن الإيمان، وكانوا قد استثقلوا دعوته لهم، وضاقت نفوسهم منه.