سورة يوسف
  تَعْبُرُونَ ٤٣} كان ملك مصر قد رأى هذه الرؤيا، وصار في حيرة شديدة منها؛ فدعا جميع كبار دولته وعلماءها ليبحثوا له عن تفسير لها، ولكن أحداً لم يستطع جوابا لتأويلها، مع أن العصر ذلك قد اشتهر فيه علم تفسير الأحلام، وكثر علماء ذلك الفن.
  {قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ ٤٤} قال هؤلاء: إن هذا ليس إلا من الأحلام العابرة، وأن رؤيا الملك هذه خليط من الأحلام قد اجتمعت في حلم واحد، ولو كانت رؤيا(١) حقيقية لفسروها، وأما الأحلام فلا شيء عندهم فيها.
  {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ ٤٥}(٢) عند ذلك تذكر ذلك السجين الذي خرج من السجن تفسير يوسف لرؤياه، وتذكر وصيته تلك، وأخبر الملك أن تفسير ما يطلب عنده؛ فليرسله ليأتي إليه بتفسير رؤياه هذه.
  ومعنى {بَعْدَ أُمَّةٍ} أي: بعد انقضاء أمة من الناس وفنائها أي بعد زمان طويل مات فيه أمة من الناس.
  {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ}(٣) فأرسله الملك إلى يوسف ليسأله عن هذه الرؤيا، ونعته بالصديق؛ لأنه # اشتهر بالصدق في جميع أقواله وفيما يفسره من تأويل الرؤيا.
(١) سؤال: ما الفرق بين الرؤيا والحلم؟
الجواب: الرؤيا الفاسدة (الحلم) هي التي تأتي نتيجة لقصة سمعها، أو لحادثة رآها، أو لحديث نفس جال فيه الخاطر، أو كانت بسبب حمى أو ضربة شمس أو مرض أو شبع زائد ونحوه، أو جوع أو ما شابه ذلك. والرؤيا هي ما كان بخلاف ذلك، وأصدقها الرؤيا الصالحة من الرجل الصالح يراها أو تُرى له، وهذه هي التي ورد فيها الأثر: «لم يبق بعدي إلا المبشرات» قيل: وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: «هي الرؤيا ... وهي جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة» أو كما قال، وهذا الأثر في الأحكام.
(٢) سؤال: ما السر في حذف ياء المتكلم في قوله: {فَأَرْسِلُونِ ٤٥}؟
الجواب: حذفت ياء المتكلم في قوله: {فَأَرْسِلُونِ ٤٥} للتخفيف وهو قياسي.
(٣) سؤال: هل خطاب يوسف هذا من الملك أم من السجين؟
الجواب: الخطاب هو من السجين بدليل قوله بعد ذلك: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ...}.