محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة يوسف

صفحة 269 - الجزء 2

  {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} أوصى يوسف # ذلك الذي ستثبت براءته بأن يخبر الملك⁣(⁣١) بأمر سجنه، وأن ينظر في قضيته، ويحقق فيها.

  {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} وقد اقتضت حكمة الله⁣(⁣٢) سبحانه وتعالى أن ينسى هذا الناجي وصية يوسف له لحكمة ومصلحة أرادها الله لنبيه يوسف #.

  {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ٤٢} ولم يتذكر تلك الوصية إلا بعد عدة سنين قيل إنها –والله أعلم - سبع سنين، والبضع من الثلاثة إلى التسعة.

  {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا


(١) سؤال: هل يصح ما يقال بأن يوسف # نسي الرجوع إلى الله سبحانه في هذه الحالة، وظن مخرجه من عند الملك أم لا؟

الجواب: لا يصح ذلك، فالأخذ بأسباب الخلاص لا ينافي الاعتماد على الله والتوكل عليه، وقد استجار النبي ÷ بالمطعم بن عدي يوم عاد من الطائف، وبايع الأنصار على أن يمنعوه وولده مما يمنعون منه أنفسهم وأولادهم، وأرسل جماعة من أصحابه إلى ملك الحبشة يمنعهم من الأذى، وخرج النبي ÷ من مكة مهاجراً إلى المدينة ليمنعوه من قريش وأذاهم. وقد كان يوسف # في سجن الملك فلم يزد على الرفع بمظلوميته إلى الملك صاحب السجن الذي بيده الإفراج عن يوسف.

(٢) سؤال: يقال: ظاهر الآية إسناد النسيان إلى الشيطان فكيف؟

الجواب: قد ترتب على ما وقع بيوسف من المحن والشدائد مصالح عظيمة ليوسف، أي: أنه وقع ليوسف محن شديدة وابتلاء عظيم كان له فيه خير عظيم، وقد كان كل ذلك بسبب التخلية بين المكلفين، {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ}⁣[الفرقان: ٢٠]، وبسبب التخلية بين المكلفين رفع الله الصالحين وعظم منازلهم، فما حصل ليوسف فهو من هذا الباب، سواء من إخوته أو من امرأة العزيز أو من الشيطان، فبسبب ما لقي من هؤلاء وبسبب صبره على الالتزام بتقوى الله على طول المدة وشدة المحنة رفعه الله واختصه بكرامته.