[الدليل الثاني: السنة]
  لك في السنة فاجتهد فيه رأيك.
  وعن ابن مسعود أنه قال: من عرض له قضاء فليقض فيه بما في كتاب الله تعالى، فإن أتاه أمر ليس في كتاب الله تعالى فليقض فيه بما قضى رسول الله ÷، فإن أتاه أمر ليس في كتاب الله تعالى، ولم يقض فيه رسول الله ÷ - فليقض فيه بما قضى فيه الصالحون(١)، فإن أتاه أمر ليس في كتاب الله، ولم يقض فيه رسول الله ÷، ولم يقض فيه الصالحون - فليجتهد رأيه.
  والآثار في هذه كثيرة تشهد بها كتب السير. وشاع بين الصحابة التصريح بتقديم الخبر على القياس من غير نكير أحد منهم؛ فكان إجماعاً.
  ولأن خبر الواحد(٢) أصل للقياس، ومستقل بنفسه في إفادة الحكم، كنص الكتاب والسنة المقطوع بها، والقياس فرع له، كما هو فرع للكتاب والسنة المتواترة، غير مستقل بنفسه في إفادة حكم، فلو قدم القياس عليه(٣) لكان تقديماً للفرع على الأصل، وهو باطل.
  وأيضاً فإن مقدماته أقل؛ لأنه يجتهد فيه في أمرين: عدالة الراوي، ودلالة الخبر، والقياس يجتهد فيه في ستة أمور: حكم الأصل، وتعليله في الجملة، وتعيين الوصف(٤) المعلل به، ووجوده في الفرع، ونفي المعارض في الأصل، ونفيه في الفرع.
  وهذا إن لم يكن الأصل خبراً آحاديًّا، وإلا وجب الاجتهاد فيه في الأمور
(١) يعني الإجماع.
(٢) وإنما رد ابن عباس خبر أبي هريرة: (توضأ مما مست النار) بالقياس وقال: لا تتوضأ بالجميم فكيف نتوضأ بما عنه نتوضأ ونحو ذلك. هداية - لارتياب في الراوي لعدم ضبطه، ولعل ابن عباس رأى [علم نخ] أنه منسوخ بحديث، وقرينته ما رواه جابر: كان آخر الأمرين من رسول الله ÷ ترك الوضوء مما مست النار، وفي الحديث مقال وله شاهد.
(٣) أي: على الخبر.
(٤) وظن عدم تخصيصه. منه.